تعتبر حماية الحدود الوطنية واحدة من أهم واجبات الدولة وبسبب وتيرة التقدم التكنولوجي المتسارعة أصبحت هذه المهمة أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، حيث يمكن للطائرات بدون طيار والدرون تجنب المراقبة الأرضية التقليدية ونقل الحمولات فوق الأسوار والحواجز الطبيعية وفي الوقت نفسه مكنت الابتكارات في مجال معدات الحفر وحفر الأنفاق من بناء أنفاق متطورة تحت الحواجز الحدودية،
مما يوفر معبراً آمناً للمهربين والإرهابيين على حد سواء، وفي ظل عدم الاستقرار الجيوسياسي المتزايد ازداد خطر الاستغلال الخاطئ لهذه الابتكارات التكنولوجية وغيرها لعبور الحدود الوطنية والإضرار بالمصالح الاستراتيجية للدول، وتؤكد الأحداث الجارية في البحر الأحمر أهمية القدرة على مراقبة وحماية الأمن البحري والحدود.
مراقبة الحدود من الفضاء
واليوم هناك تقنيات جديدة جاهزة للمساعدة في تعزيز الدفاعات ضد هذه الأخطار ويُعَد ظهور تكنولوجيا الجيل التالي من الأقمار الصناعية بأسعار معقولة أحد أهم هذه الابتكارات حيث يمكننا اليوم مراقبة التغيرات على سطح الأرض من الفضاء.
من منظور دفاعي كانت الأجيال السابقة من تكنولوجيا الأقمار الصناعية ذات استخدام محدود فقط وغالبًا ما تعاني الأقمار الصناعية القديمة من ضعف الدقة المكانية والزمانية مما يعني أنها لا تستطيع تقديم صور مفصلة لأحداث صغيرة أو سريعة التغير وقد تمر فقط فوق مواقع محددة بشكل غير متكرر تاركةً فجوات كبيرة مفتوحة في الرؤية، كما أنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى قدرة نقل البيانات بسرعة مما يؤدي إلى تأخير توافر الصور للتحليل واتخاذ القرار وغالبًا ما تكون نتائج التصوير سيئة أيضًا في الظروف الملبدة بالغيوم والدخان أو أثناء الليل.
لقد نجح أحدث جيل من الأقمار الصناعية في حل هذه المشكلات حيث تقوم أقمار رادار الفتحة الاصطناعية (SAR) باطلاق حزم شعاعية قوية إلى سطح الأرض من مسافة حوالي 550 كيلومترًا في الفضاء وترتد هذه الحزم لتعود الحزم إلى الأقمار الصناعية لتسجل وتبني صورة دقيقة لما يحدث على الأرض بالأسفل.
ويمكن لهذه التقنية التقاط صور من خلال العوائق بما في ذلك السحب والدخان وحتى التقاط صور للأرض ليلاً، وهذا يوفر للحكومات ووكالات حماية الحدود ذات الصلة التابعة لها تغطية مستمرة للأحداث السريعة على الأرض في جميع الظروف الجوية، وعلاوة على ذلك يمكن أن تكون هذه الصور جاهزة للاستخدام في غضون ساعات، مما يؤدي إلى تسريع عملية اتخاذ القرار وتمكين المؤسسات من الاستجابة للتهديدات المحتملة بشكل أسرع بكثير.
تتيح أقمار SAR أيضًا تصويرًا عالي الجودة وأكثر مرونة ويمكن للمستخدمين الحصول على صورة واحدة لمنطقة تصل مساحتها إلى 50000 كيلومتر مربع أو تكبير المناطق إلى أقل من متر. في الواقع يمكّن التصوير اليومي المتكرر المؤسسات من رؤية التغيرات الأرضية على مستوى السنتيمتر التي لا يمكن رؤيتها بالعين البشرية، مثل التغييرات الناجمة عن حركة مرور المركبات أو أي نشاط آخر على طريق مرصوف بالحصى أو العشب أو في الصحراء.
تطبيقات الأقمار الصناعية SAR في مراقبة الحدود
هناك تطبيقات متنوعة لرصد الأرض قائمة على SAR في مراقبة الحدود فمثلاً يمكن للتكنولوجيا أن تساعد الدول على البقاء على اطلاع على المخاطر والتهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي على الحدود وغيرها من المواقع ذات الأهمية الاستراتيجية، وتساعد صور الأقمار الصناعية المفصلة والمتكررة SAR المؤسسات على تحديد وتحليل الأنشطة غير العادية أو غير المتوقعة التي تحدث في أي مكان على الأرض بما في ذلك التغييرات في الطائرات والمروحيات ونشاط المركبات والتجمعات غير العادية للمعدات.
عندما يتعلق الأمر بالحدود البحرية يمكن لهذه التكنولوجيا أن تساعد الدول على اكتشاف التهديدات الأمنية ومواجهتها بما في ذلك التهريب والهجرة غير الشرعية والسفن “المظلمة” غير المسجلة التي تدخل أراضيها ومنطقتها الاقتصادية الخاصة (EEZ)، وباستخدام تقنيات مراقبة الأرض المستندة إلى SAR يمكن للحكومات ووكالاتها تحديد موقع السفن وتتبعها بسرعة وتحديد وجهاتها بناءً على أنماط المناورة الخاصة بها، واتخاذ إجراءات فورية إذا لزم الأمر.
وبالمثل يمكن لبيانات مراقبة SAR أن تساعد الحكومات والوكالات على الاستجابة للتهديدات في الموانئ ذات الأهمية الاستراتيجية حيث يوفر تصوير SAR معلومات استخباراتية قابلة للتنفيذ حول البنى التشغيلية للموانئ في أي مكان في العالم مما يمكّن المؤسسات من تتبع التغييرات والأنماط لمنع المشكلات الأمنية المحتملة.
في جميع هذه الحالات تكمن أهمية أقمار SAR في توفير تدفق مستمر من البيانات في الوقت الفعلي تقريبًا ليلاً ونهارًا وأثناء أي ظروف جوية، وباستخدام هذه المعلومات الاستخبارية تستطيع الدول ووكالاتها اكتشاف الأنشطة على الأرض والبحر والرد عليها بسرعة وفعالية، بل وحتى التنبؤ بالأحداث المستقبلية لضمان الأمن القومي.
مواكبة التهديدات والأشخاص السيئين
وبغض النظر عما إذا كان التعامل مع مجرمين أو إرهابيين أو دول منافسة يتعين على الحكومات ووكالاتها حماية حدودها في عالم مليء بجهات سيئة مجهزة ومسلحة بتقنيات متطورة باستمرار، ولمواكبة هذه التطورات يتعين على الحكومات أن تتبنى أساليب متطورة مماثلة لحماية سلامة حدودها والحفاظ على سلامة المواطنين والبنية التحتية الوطنية الحيوية، وإن التطورات الأخيرة في تكنولوجيا الأقمار الصناعية تعني أن بيانات مراقبة الأرض سوف تلعب دوراً حيوياً ومهماً في مساعدة الحكومات على ضمان الأمن القومي وحماية مصالحها في الداخل والخارج.