في أواخر السبعينات الهجرية، شهدت العاصمة الرياض تحولًا حضاريًا بارزًا في بنيتها التحتية، حيث تم إنشاء أولى الجسور والأنفاق الحديدية بهدف تحسين حركة المرور وتقليل الازدحامات التي كانت تعاني منها المدينة. في تلك الفترة، كانت الرياض تواجه تحديًا كبيرًا نتيجة الزيادة المستمرة في أعداد المركبات، مما استدعى الحاجة إلى شبكة طرق تلبي طموحات سكانها المتزايدين ورغبتهم في تحسين جودة حياتهم.
ظهرت فكرة إنشاء الجسور الحديدية نتيجة لزيادة الازدحام المروري الذي كان يعيق حركة التنقل ويؤثر سلبًا على جودة الحياة اليومية في الرياض. ومع بدء تنفيذ هذه المشاريع، تجمع العديد من سكان المدينة لمتابعة مراحل البناء بشغف، حيث اعتُبر هذا التطور حدثًا غير مسبوق بالنسبة لهم. أتذكر كيف كنا أطفالًا نشعر بالدهشة والحماس تجاه هذه الجسور، التي أصبحت بمثابة معالم حضارية تزين شوارع المدينة وتبهرنا بتصميمها العصري.
بدأت مراحل تنفيذ المشروع بالتعاون مع شركة بلجيكية ذات خبرة كبيرة في إنشاء الجسور الحديدية، حيث قامت ببناء جسور شاهقة في مواقع مختارة بعناية ضمن تقاطعات حيوية في الرياض. كان هذا المشروع فريدًا من نوعه، واهتم سكان الرياض كثيرًا بمراحل التنفيذ، حيث كانوا يتجمعون لمتابعة تقدم الأعمال ورؤية هذا التحول الحضاري الذي سيصبح جزءًا من هوية مدينتهم.
التغيير الحضاري في شوارع الرياض
بدأ المشروع بإنشاء جسر في تقاطع طريق الملك فهد، الذي كان يُعرف سابقًا بـ “شارع الكباري” بسبب كثرة الجسور التي تم بناؤها عليه. ومن أبرز هذه الجسور: جسر تقاطع مكة وشارع الخزان، الذي لعب دورًا حيويًا في تخفيف الازدحام المروري في هذا التقاطع المهم. كما تم إنشاء جسر دوار سلام، الذي تميز بتصميمه الفريد، حيث يتكون من جسرين متقابلين ساعدا في تقليل الاختناقات المرورية في المنطقة.
أيضًا، كان لجسر شارع الإمام عبدالعزيز (شارع العصارات) دور كبير في تسهيل الحركة المرورية أمام مستشفى الشميسي “مدينة الملك سعود الطبية“، وهو أحد المستشفيات الرئيسية في العاصمة. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر جسر شارع عسير من الجسور المهمة التي ساهمت في تحسين التنقل في المنطقة.
رؤية المملكة 2030
شمل المشروع أيضًا إنشاء عدة أنفاق رئيسية في مواقع مختلفة، مثل أنفاق طريق المعذر ونفق شارع العليا وشارع المعذر مع الناصرية، مما أدى إلى تحسين حركة المرور وتوفير طرق بديلة تسهل التنقل بين أحياء المدينة. ولم تقتصر أهمية هذه الجسور والأنفاق على تحسين المرور فحسب، بل أصبحت أيضًا معالم جمالية تضفي رونقًا على ملامح الرياض، مما يجعلها تبدو كواحدة من المدن المتقدمة التي طالما aspired إليها.
أسهمت مشاريع الجسور والأنفاق في تقليص أوقات التنقل بين أحياء الرياض، مما ساعد على تنشيط الحركة الاقتصادية وسهّل وصول الأفراد إلى وجهاتهم المختلفة، بالإضافة إلى تسهيل حركة السكان اليومية. كما أصبحت الرياض وجهة مفضلة للزوار من المدن والمحافظات المجاورة، ليشهدوا بأنفسهم هذا التطور الكبير الذي حول المدينة إلى مركز حضاري بارز.
لقد شكلت الجسور والأنفاق الحديدية في الرياض نقلة نوعية في مستوى البنية التحتية للمدينة، وأسهمت في تحسين جودة الحياة لسكانها. لم يكن هذا المشروع مجرد حل لمشكلات المرور، بل كان بداية لتحول حقيقي في ملامح المدينة، مما جعلها تواكب المدن الكبرى وتصبح رمزًا للحداثة والتطور. لم تقتصر هذه المشاريع على تحسين حركة المرور فحسب،
بل أصبحت أيضًا معالم تاريخية في ذاكرة الرياض تعكس روح التطور والطموح نحو مستقبل أفضل. وقد أشار الباحث أ. منصور العساف في حديثه مع أ. محمد الهمزاني إلى أنه في عام 1400هـ تم افتتاح أول كوبري مسلح في الرياض، وهو كوبري التجارة، كما شهد العام نفسه توقيع إنشاء كوبري الخليج.
وبعد إنشاء طريق الملك فهد، نقلت أمانة الرياض بعض الكباري الحديدية إلى شارع التخصصي وأُهدي البعض الآخر منها إلى دول صديقة، فيما لا تزال البقية قائمة ولا سيما في شوارع العصارات والبطحاء والزهراء بحي الملز.