يُعتبر تنفيذ برنامج التحول الوطني منذ انطلاقته في عام 2016 وحتى العام الحالي (2024) بأسلوب علمي وبحثي متاحًا للطلاب والباحثين والأكاديميين وصناع القرار والمستثمرين والمهتمين بمختلف فئاتهم، نقطة نجاح جديدة تُضاف إلى سجل إنجازات القيادة السعودية. وأود أن أؤكد أنني أكتب هذا ليس فقط من منظور المتابع، بل من موقع الراصد والموثق لهذه التجربة،
لقد كانت لحظة الكشف عن رؤية السعودية 2030 في أبريل 2016، والتي يُعتبر برنامج التحول أحد أبرز عناصرها، نقطة تحول محورية في تاريخ المملكة الحديث. فقد مهدت هذه الرؤية الطريق لتحول طموح في المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ومع بدء تنفيذ هذه الخطة الشاملة، واجهت المملكة تحديات كبيرة، لكنها أيضًا أتيحت لها فرص هائلة. إذ وضعت رؤية السعودية 2030 مخططًا شاملًا للتحول الوطني، مع الحفاظ على الروابط مع الماضي، واتبعت مسارًا للنمو والاستدامة يوازن بين التقاليد والحداثة، ويحدد الفارق بين اليقين وعدم اليقين.
لا شك أن مشهد التحول في المملكة واجه العديد من التعقيدات وتفاعلات دقيقة بين أهدافها الطموحة والواقع على الأرض. فالمجتمعات بطبيعتها تميل إلى التوجس من التغيير، حيث تضم كل منها أنماطاً متنوعة وتعتمد اقتصادياً على القطاعات التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، كان من الضروري معالجة البيروقراطية وتعقيدات القوانين والسياسات والإجراءات الحكومية في ذلك الوقت. هنا، برز دور القيادة الرشيدة والتخطيط الاستراتيجي، حيث أظهرت المملكة قدرتها على تحقيق التوازن بين التنوع الاقتصادي والاستدامة الاجتماعية والبيئية ورأس المال البشري. كانت الرحلة نحو تحقيق أهداف الرؤية مليئة بعدم اليقين، لكنها أصبحت أكثر ثباتاً مع مرور الوقت، حيث سعت المملكة إلى تنويع مصادر الدخل، وتقليل الإنفاق العام، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وإصلاح جوانب الاقتصاد والمجتمع السعودي. كما تم العمل على توفير فرص العمل لخفض معدلات البطالة وزيادة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل، بالإضافة إلى تحسين مستوى الخدمات الحكومية وتعزيز جودتها لتحقيق الكفاءة والفاعلية في أداء أجهزة الدولة لمهامها واختصاصاتها. كل ذلك يهدف إلى الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمستفيدين، وصولاً إلى مستقبل مشرق.
تعتبر الاستدامة محورًا أساسيًا آخر في رؤية المملكة، خاصة في ظل اعتمادها الكبير على النفط كعنصر رئيسي في اقتصادها. لذا، فإن التركيز على التنويع يمثل تحولًا كبيرًا نحو مستقبل أكثر استدامة. وتظهر جهود المملكة في تطوير مصادر الطاقة البديلة وتعزيز الرعاية البيئية، بالإضافة إلى دعم الابتكار وريادة الأعمال. كما يتم تعزيز الأبعاد الاجتماعية للاستدامة، لاسيما في مجالات تنمية رأس المال البشري، والمساواة الاجتماعية، والحفاظ على الثقافة.
في إطار التحديث الجاري في المملكة، أصبح الحفاظ على التراث الثقافي ضرورة ملحة في مسار التحول، حيث يمثل أحد أسس الرغبة في التقدم مع ضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية الفريدة للمملكة. يتم ذلك من خلال دمج التقاليد مع الحداثة، مما يسهم في الحفاظ على نسيجها الاجتماعي واستمراريتها الثقافية.
يجب فهم التحول في المملكة العربية السعودية على أنه عملية متعددة الأبعاد، لا تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، بل تشمل أيضًا الجوانب الاجتماعية والثقافية والبيئية للرؤية. هذا التحول يتحدى السرديات التقليدية المتعلقة بالتنمية والتقدم، ويقدم رؤية أكثر دقة تعترف بالتعقيدات والتناقضات التي تتسم بها عملية التحول في عالم مليء بالتقلبات وعدم اليقين. لذا، فإن جهود المملكة في مواجهة هذه التحديات ضمن إطار تحقيق أهداف رؤية 2030 تعكس مرونة قيادتها وقدرتها على التكيف.
ومع ذلك، فإن الطريق نحو المستقبل ليس خاليًا من المخاطر. ففي سعينا لتنويع الاقتصاد وتعزيز التغيير الاجتماعي، أظهرت عملية التنفيذ الحاجة إلى تحسين بنيتنا التحتية، والتغلب على الصعوبات التنظيمية، والتكيف مع التغيرات. وهذا يتطلب منا تعديل استراتيجياتنا بشكل مستمر كإجراء ضروري يتماشى مع كل عملية تحول، خاصةً مع ظهور متغيرات جديدة.
تمت صياغة خطة التحول بناءً على مجموعة من العناصر الأساسية الهامة، حيث بدأت بتحليل الوضع الراهن للمجتمع، ثم تحديد الحالة المرغوبة في المستقبل، وأخيرًا دراسة الفجوة بين الحالتين. وقد تم الأخذ بعين الاعتبار الاتجاه الذي نسير نحوه، والوسائل التي سنستخدمها للوصول، بالإضافة إلى التوقيت المناسب لذلك. كما كان من الضروري إشراك جميع الأطراف المعنية وفئات المجتمع المختلفة في هذه الخطة، مما يعزز الشعور بأن الفرصة متاحة للجميع للمساهمة في بناء مستقبل أفضل لأنفسهم وللأجيال القادمة. فنجاح التطبيق يعتمد على مشاركة الجميع، وهو ما ساهم في تحقيق النجاحات الحالية التي يمكن أن تُستخدم كمعيار لتوقع المستقبل. فالنجاح يخلق المزيد من النجاح،
وها نحن نشهد يومًا بعد يوم تغييرات إيجابية في الثقافة التنظيمية، وأساليب العمل، والتحول الرقمي، والخدمات المقدمة في القطاعات الحكومية، بالإضافة إلى تغييرات ملموسة على مستويات متعددة وفي مختلف القطاعات
في ظل التحديثات الجارية في المملكة، أصبح الحفاظ على التراث الثقافي للمملكة العربية السعودية ضرورة ملحة في سياق التحول، حيث يُعتبر أحد الأسس الأساسية للرغبة في التقدم مع ضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية الفريدة للمملكة.
يتطلب ذلك دمج التقاليد مع الحداثة، بما يضمن استمرارية النسيج الاجتماعي والثقافي.
تتجاوز آثار التحول في المملكة العربية السعودية حدودها، مما يؤثر على الديناميكيات الإقليمية والعالمية. فالموقع الاستراتيجي للمملكة في الشرق الأوسط، إلى جانب نفوذها الاقتصادي والسياسي،
يعني أن نجاح رؤية 2030 أو فشلها سيكون له تأثيرات بعيدة المدى. في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية والتوترات الجيوسياسية الإقليمية،
بالإضافة إلى طبيعة الإصلاحات الاجتماعية، يتضح الحاجة إلى استراتيجية شاملة وإدارة فعالة للأزمات تحت قيادة جاهزة وحكومة رشيقة.
في الختام، يمكن القول إن مسار التحول في المملكة، المدعوم برؤية واضحة ومتابعة جادة ودعم مستمر من قيادتنا،
بالإضافة إلى انخراط مختلف فئات المجتمع وتقبلهم، مع إمكانية إعادة التوجيه والتعديل عند الحاجة، لن يقتصر تأثيره على الداخل السعودي فحسب، بل قد يصبح نموذجًا يحتذى به للدول المجاورة.
كما سيساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي والمشاريع التعاونية وجهود تنويع الاقتصاد. علاوة على ذلك، فإن النجاح في تنفيذ هذه الرؤية قد يغير من التصورات العالمية ويعزز العلاقات مع دول منطقة الشرق الأوسط.