You are currently viewing العرضة السعودية.. فنٌّ تراثيٌّ فريدٌ
العرضة السعودية.. فنٌّ تراثيٌّ فريدٌ

العرضة السعودية.. فنٌّ تراثيٌّ فريدٌ

كتبت/ امل الساعدي

تتعدد الفنون التراثية وأشكالها الفلكلورية في مختلف مناطق المملكة الغنية بالموروثات الثقافية، حيث تتناغم الفنون الشعبية مع طبيعة كل منطقة. ومن أبرز هذه الفنون، نجد “العرضة السعودية” التي تتميز بأدائها الجميل وأهازيجها العميقة التي تحمل عبق التاريخ والتراث.

تعتبر العرضة تجسيدًا للتلاحم الدائم بين القيادة والشعب، حيث يؤديها الرجال في أجواء من الحماس، معبرين عن ولائهم وحبهم للوطن أمام قائدهم.

كما كانت العرضة وسيلة للتحضير للحرب، حيث يقوم القائد باستعراض جنوده للتأكد من جاهزيتهم الكاملة لخوض المعركة، مما يرفع من معنويات المقاتلين. يتم ذلك من خلال أداء مهيب ومتوازن يثير العزائم ويشعل في النفوس مشاعر الشجاعة، خاصة شجاعة الفرسان، وتظل لها مكانة خاصة بعد عودة الجنود منتصرين.

شهدت العرضة في ملحمة توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود – رحمه الله – حيث كان يحرص على أدائها قبل بدء عمليات التوحيد.

تتميز العرضة السعودية بالهيبة والوقار، حيث تُرتب صفوفها وترفع الراية والسيوف، مما يخلق مشهدًا بصريًا رائعًا يتجلى في وحدة الزي. وتختتم العرضة بعبارة “الزمية” (تحت بيرق سيدي سمع وطاعة)، وتتكون من عدة عناصر أساسية تشمل: البيرق، المحورب، الصفوف، القصيدة والملقن، الطبول، سبحة الدير، السلاح، وأزياء العرضة، بالإضافة إلى الزمية.

مع استتباب الأمن، أصبحت العرضة تعبر عن الفرح ورمزًا ثقافيًا عريقًا يُفتخر به، حيث تُؤدى في المناسبات الرسمية وتُستقبل بها كبار ضيوف الدولة من رؤساء دول وغيرهم.

تنقسم العرضة في أدائها إلى مجموعتين: الأولى تضم منشدي قصائد الحرب، والثانية تضم حملة الطبول. يتوسط حامل العلم صفوف المجموعتين ليبدأ منشدو القصائد في أداء الأبيات وترديدها، تليها الأداء مع قرع الطبول لترتفع السيوف.

تبدأ العرضة السعودية بمرحلة تُعرف بالحوربة أو الشوباش، حيث يقوم شاعر ذو صوت جهوري بالإعلان عن بدء العرضة من خلال ترديد شطر من الأبيات الشعرية الحماسية، مناديًا العارضين للاجتماع في صفين متقابلين. يتراوح عدد العارضين عادةً بين 40 إلى 50 فردًا، ويكون الصف متماسكًا ومنظمًا دون أي خلل، حيث يمسك كل عارض بيد الآخر. يمكن أن يتخذ الصف شكل دائرة، حيث يتكرر ترديد الشطر أو البيت كاملاً من قبل الجميع.

يتبع المشاركون في الصفوف نظامًا موحدًا، فعند تلقيهم البيت الأول من القصيدة، يبدأون بما يُعرف بـ«النزر»، وهو الميلان نحو اليمين واليسار دون تراقص. وعندما يلقي الشاعر الشطر الثاني، يبدأ قرع الطبول، فيبدأ العارضون في التمايل يمينًا ويسارًا مع ثني الركبة.

خلال هذه الأثناء، يحمل العارضون سيوفهم بأيديهم ويؤدون بها مجموعة من الحركات، مثل رفعها للأعلى أو إنزالها، أو وضعها على الكتف، مع الالتزام بنمط موحد لا يُسمح لأحد بمخالفته. وعادةً ما يرفعون سيوفهم للأعلى عند إلقاء شعر يتضمن فخرًا بالوطن والقيم.

في العرضة، يتم استخدام نوعين من الطبول: الطبل الكبير المعروف بـ “التخمير” والطبل الصغير المسمى “التثليث”. تُقرع هذه الطبول الفارس العرضة بمفرده، وهو يحدو على صهوة جواده، بهدف التعريف بنفسه، متفاعلًا مع الأصوات التي يصدرها الفرسان الآخرو بعصا معقوفة من أحد طرفيها، وتُغطى من الجهتين بجلد الجمل. كما يُكسى الإطار بقطعة من القماش، وتُزين بخيوط ملونة تضفي عليها جمالًا خاصًا. يقوم عازفو الطبول الصغيرة بأداء حركات متناسقة، حيث يرفعون الطبل باليد اليسرى ثم ينزلونه إلى الأسفل وإلى الأمام، مع القفز مرتين متتاليتين ثم الجلوس في وضع القرفصاء، ثم الوقوف مجددًا، مع تحريك أجسامهم يمينًا ويسارًا، ورفع القدمين وثني الركبتين.

أما الفارس، فيشارك في أداء عرضة الخيل من خلال استعراضه على صهوات الجياد، وهو ما يُعرف بـ “الحدوة”، حيث يعود أصل الاسم إلى حذاء الخيل. يبدأن بفخر وحماسة. يُطلق عليه لقب “الحادي”، ثم ينضم بعد ذلك إلى صفوف العرضة ويشاركهم وهو على صهوة جواده.

حظيت العرضة باهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – في إطار اهتمامه الواسع بالتاريخ والتراث والموروث الشعبي في المملكة. وقد تجلى هذا الاهتمام من خلال إدراج العرضة السعودية في ديسمبر 2015 على قائمة منظمة (اليونسكو) للتراث الثقافي غير المادي (الشفوي). كما تم تأسيس المركز الوطني للعرضة السعودية عام 2017 في دارة الملك عبدالعزيز، ليعمل على تعزيز الثقافة والهوية الوطنية، ويكون مركزًا للفنون الشعبية المرتبطة بلون العرضة في المملكة.

#الرياض

اترك تعليقاً