يتزايد الضغط على المدن بشكل مستمر نتيجة للهجرة الداخلية من القرى إلى المدن، بالإضافة إلى الهجرة الخارجية التي تستهدف أيضًا الحياة الحضرية. حاليًا، يعيش 54% من سكان العالم في المدن، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 66% بحلول عام 2050.
وهذا يعني أن استخدام الأراضي الحضرية في مختلف دول العالم سيتوسع من مليون كيلومتر مربع حاليًا إلى 2.5 مليون كيلومتر مربع بحلول عام 2050، مما يعرض الأراضي الزراعية وإمدادات المواد الغذائية لخطر التقلص. مع انتقال المواطنين من القرى والأرياف إلى المدن، ستتراجع المساحات الزراعية،
مما سيؤثر سلبًا على إنتاج الغذاء والموارد الطبيعية الأخرى. ومن الأسباب الأخرى لزيادة الهجرة إلى المدن هو ارتفاع نسبة الشباب الذين يفضلون العيش في المدن التي توفر خدمات تفتقر إليها القرى والمناطق الريفية والنائية.
زيادة السكان وانخفاض الخصوبة
وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للمدن، الذي يُحتفل به سنويًا في 31 أكتوبر، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم بمقدار ملياري نسمة، ليصل من 7.7 مليار حاليًا إلى 9.7 مليار بحلول عام 2050، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 11 مليارًا بنهاية القرن الحالي. هذه الزيادة تُعتبر أقل من المعدلات المسجلة في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى انخفاض معدلات الخصوبة.
كما يُتوقع أن يتزايد تدفق السكان نحو المناطق الحضرية بوتيرة أسرع، مما سيشكل ضغطًا على موارد المدن. لذلك، كانت رؤية الأمم المتحدة لليوم العالمي للمدن هذا العام تدعو الدول إلى توسيع المناطق الحضرية استعدادًا لاستيعاب الأعداد المتزايدة من النازحين. يتضمن ذلك إنشاء مبانٍ حديثة بتصاميم وأنماط تساهم في توفير الطاقة وتقليل هدر الموارد، بالإضافة إلى تعزيز الموارد والمرافق التجارية والخدمية، خاصة في مجالات الطاقة والمياه.
كما يُشدد على أهمية اعتماد أساليب جديدة ومبتكرة لمكافحة الانبعاثات الكربونية، مع تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. يتطلب ذلك تنفيذ خطة للتوسع الحضري وفق رؤية استراتيجية طويلة المدى، تركز على التوسع المدروس وتوفير الموارد.
يتوقع تقرير الأمم المتحدة أن يشهد العالم زيادة ملحوظة في عدد السكان حتى عام 2050، حيث ستتركز هذه الزيادة في تسع دول هي: الهند، نيجيريا، باكستان، جمهورية الكونغو الديمقراطية، إثيوبيا، تنزانيا، إندونيسيا، مصر، والولايات المتحدة الأمريكية. ومن المحتمل أن يتضاعف عدد سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، في حين يُتوقع أن ينخفض عدد سكان أوروبا.
أسباب الهجرة إلى المدن.
يتنقل الأفراد لأسباب متعددة، تشمل العمل، الأسرة، والتعليم، بالإضافة إلى أولئك الذين يغادرون بلدانهم ومجتمعاتهم المحلية بسبب العنف، الاضطهاد، الحرمان، أو الكوارث. وقد أدت هذه العوامل مجتمعة في العقود الأخيرة إلى زيادة غير مسبوقة في عدد الأشخاص المشردين قسراً، حيث بلغ عددهم أكثر من 70 مليون شخص في عام 2018، من بينهم 26 مليون لاجئ. ومنذ عام 2012، تضاعف تقريباً عدد اللاجئين الذين ترعاهم وكالة الأمم المتحدة المعنية باللاجئين، وهي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
كما يعيش حوالي أربعة من كل خمسة لاجئين في دول مجاورة لبلدانهم الأصلية. وفي عام 2019، بلغ عدد المهاجرين الدوليين – الذين يعيشون خارج بلدانهم الأصلية – حوالي 272 مليون شخص، أي ما يعادل نحو 3.5% من سكان العالم، مقارنة بـ 2.8% في عام 2000. وتستضيف آسيا أكبر عدد من المهاجرين الدوليين، بينما شهدت أفريقيا في السنوات الأخيرة أسرع معدل للزيادة. وتحدث معظم الهجرة الدولية بين الدول الواقعة في نفس المنطقة الجغرافية.
تفرد الرؤية السعودية
بمناسبة اليوم العالمي للمدن، دعت الأمم المتحدة قادة دول العالم والحكومات إلى تبني أساليب متنوعة في إنشاء المدن، بما في ذلك تحسين وسائل النقل، وتعزيز استخدام السيارات الكهربائية،
وتوفير محطات شحن لها في جميع الأماكن. كما أكدت على أهمية تطوير نظم إدارة النفايات والمياه، وإنشاء شبكات كهرباء ذكية، بالإضافة إلى توفير مسارات خاصة للمشاة والدراجات الهوائية، وبناء منشآت تحقق كفاءة الطاقة، وتطبيق تقنيات حديثة في التدفئة والتبريد والإضاءة.
كما شددت على ضرورة تخطيط البنية التحتية الأساسية للمدن الحضرية وتعزيز التعاون بين جميع الأطراف المعنية، مثل استغلال الحرارة الناتجة عن معالجة النفايات في نظم الطاقة المحلية واستخدام النفايات في إنتاج مواد البناء، مثل خرسانة الرماد المتطاير.
إذا كانت الأمم المتحدة تدعو الدول إلى تبني هذه المنظومة، فإن المملكة العربية السعودية قد بدأت بالفعل في تنفيذها منذ سنوات في مدن مثل نيوم وذا لاين والأوكساجون ومشروع البحر الأحمر. وقد تجاوزت المملكة ذلك بإنشاء أحياء كاملة خالية من السيارات، لتحقيق الهدف الأسمى للمدن النظيفة من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. ويعزز ذلك مبادرة السعودية الخضراء التي نالت إشادة عالمية، حيث تنضم إليها دول جديدة كل يوم.
الشباب والمستقبل
تشير الأمم المتحدة إلى أن فئة الشباب، التي تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، تمثل شريحة كبيرة وسريعة النمو من السكان. في أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، من المتوقع أن يتضاعف عدد السكان بحلول عام 2050، حيث ينمو عدد الأفراد في سن العمل (من 25 إلى 64 سنة) بمعدل أسرع من أي فئة عمرية أخرى. كما شهدت العديد من الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي زيادة مماثلة في أعداد الشباب، مما قد يزيد من التحديات التي تواجه الاقتصاديات العامة التي تجد صعوبة في توفير الخدمات اللازمة لهذه الفئة. بالإضافة إلى ذلك، سيواجه المجتمع في العقود القادمة تحدياً آخر يتمثل في التعامل مع شيخوخة السكان، خاصة في أوروبا.
تنمية القرى: رؤية عالمية
يتطلب التوسع الحضري إدارة فعالة من قبل الحكومات والسلطات الوطنية، حيث تشغل المدن أقل من 2% من إجمالي مساحة الأراضي في العالم، لكنها تسهم بـ 80% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتنتج أكثر من 70% من انبعاثات الكربون. إن سرعة التوسع الحضري ونطاقه يطرحان تحديات كبيرة تتعلق بتوفير المساكن الملائمة، والبنية التحتية، ووسائل النقل، بالإضافة إلى تحديات مرتبطة بالنزاع والعنف. يُصنف حوالي مليار شخص على أنهم “فقراء حضر”، ويعيش معظمهم في أحياء عشوائية داخل المدن.
تدعو الأمم المتحدة إلى تكثيف الجهود لحماية سكان القرى والمناطق الريفية، حتى لا يضطروا لمغادرة أماكنهم والانتقال إلى المدن بحثًا عن التعليم أو الخدمات، خاصة الصحية. من الضروري توفير اقتصاد ومجتمع يتناسب مع ما يقدمه المزارعون ومربو الماشية من خدمات قيمة للمدن، من خلال تأمين الغذاء بشكل مستدام وسريع. كما يجب تقديم حزم من برامج الحماية الاجتماعية لضمان استمرارية هؤلاء الأفراد في أراضيهم وزيادة إنتاجهم.
أكد وزير البلديات والإسكان ماجد بن عبدالله الحقيل أن “رؤية المملكة الطموحة قد استثمرت جميع إمكانيات الوطن الكبير، مما ساهم في تحقيق نهضة إيجابية تعود بالنفع على المنطقة بأسرها”. وأضاف أن هذا الدعم دفعنا للبحث عن تجارب مميزة واستقطاب نماذج استثنائية لتحقيق أهدافنا. حيث تركز الرؤية على إنشاء نظم بيئية وتشغيلية تعزز جودة الحياة وتدعم الابتكار في خدمات المدينة واقتصادها.
ويأتي اليوم العالمي للمدن 2024 في وقت تقدم فيه المملكة رؤية عصرية طموحة للمدن الذكية، التي تسعى لتحقيق التنمية المستدامة، بما تحتويه من مقومات لحياة مستقرة وآمنة، خاصة لأجيال الشباب. فالمملكة تُعتبر أمة شابة، تسعى قيادتها الحكيمة إلى تحقيق أعلى معايير جودة الحياة للإنسان على أرضها.