You are currently viewing هل سيستجيب مؤتمر المناخ  لمطالب بلدان الجنوب العالمي؟
هل سيستجيب مؤتمر المناخ لمطالب بلدان الجنوب العالمي؟

هل سيستجيب مؤتمر المناخ لمطالب بلدان الجنوب العالمي؟

يعد أن هدأ الغبار منذ فترة طويلة حول مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الذي انعقد في دبي، يوجه العالم انتباهه الآن إلى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في باكو، أذربيجان.

يُمثل مؤتمر المناخ COP29، المقرر عقده في الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر/تشرين الثاني، لحظة محورية في مفاوضات المناخ العالمية، وخاصة بالنسبة لدول الجنوب العالمي.

إن الدول النامية على استعداد لمواصلة نضالها من أجل الحصول على تمويل كبير للمناخ، واستراتيجيات تكيف قوية، ونتائج سياسية عادلة في إطار المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة على أساس القدرات المختلفة للدول.

ويمكن أن يشكل مؤتمر المناخ COP29 منعطفا حاسما، يحدد ما إذا كانت هذه الدول سوف تكتسب أخيرا نفوذا ذا مغزى في تشكيل العمل المناخي العالمي.

شهد مؤتمر المناخ COP28 مناقشات مكثفة حول الحد من استخدام الوقود الأحفوري وتمويل المناخ. وقد جمع الحدث أكثر من 85000 مشارك لتعزيز تنفيذ الأهداف الأساسية لاتفاقية باريس.

وتشمل هذه الأهداف العمل على الحد من ارتفاع متوسط ​​درجة الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، مع التركيز القوي على السعي إلى تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية. هذا بالإضافة إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن، وبناء القدرة على التكيف مع المناخ، ومواءمة التدفقات المالية لدعم هذه الأهداف.

ان أحد أهم الأحداث في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين هو اختتام أول عملية تقييم عالمية، وهي عملية تقييم شاملة للتقدم الجماعي نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس. وأكدت النتائج الحاجة الملحة إلى تكثيف الجهود لتحقيق الأهداف المناخية طويلة الأجل.

ويعد هذا التأكيد بالغ الأهمية بالنسبة لدول الجنوب العالمي، حيث تفتقر البلدان التي تتأثر بشكل غير متناسب بارتفاع درجات الحرارة في كثير من الأحيان إلى الموارد اللازمة للتكيف.

وقد سلط التقييم العالمي الضوء على المجالات التي تتطلب اهتماما فوريا، بما في ذلك زيادة الاستثمار في تكنولوجيات الطاقة النظيفة، وتحسين إدارة الأراضي، وإيجاد حلول للقطاعات التي يصعب التخفيف من آثارها.

وبالنسبة للدول النامية، فإن نجاح هذه العملية يتوقف على تعبئة الموارد المالية والفنية اللازمة لتنفيذ هذه التوصيات. وفي غياب التمويل الكافي، تظل بلدان الجنوب العالمي عُرضة لتأثيرات تغير المناخ.

من بين الجوانب الأكثر إثارة للجدل في مؤتمر المناخ COP28 كان إدراج لغة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في النص النهائي.

وللمرة الأولى، كان هناك اعتراف صريح بضرورة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة لتحقيق صافي الصفر بحلول عام 2050. وينبغي تنفيذ هذا التحول بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، على أساس الأدلة العلمية.

ومع ذلك، ظلت لغة النص واسعة وغير ملزمة، مما يسمح باستثناءات بما في ذلك التخفيف من حدة الفقر، مما قد يسمح باستمرار استخدام الوقود الأحفوري في سياقات معينة.

وبالنسبة للدول النامية، يمثل هذا الأمر فرصة وتحدياً في الوقت نفسه. فالعديد من الدول في الجنوب العالمي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والوصول إلى الطاقة والأمن.

ومن ثم فإن التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري ينبغي أن يكون مصحوباً بآليات دعم قوية، بما في ذلك نقل التكنولوجيا، وتوفير تمويل كبير للمناخ.

وبدون ذلك، فإن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري قد يؤدي إلى تفاقم الفقر وعرقلة التقدم الاجتماعي والاقتصادي في بلدان الجنوب العالمي، وبالتالي تقويض التوقعات الرئيسية لاتفاق باريس.

في عام 2022، ارتفع عدد الأشخاص الذين لا يحصلون على الكهرباء لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمان، ليصل إلى 685 مليونًا – بزيادة قدرها 10 ملايين مقارنة بعام 2021.

ويشير هذا التراجع إلى أننا ما زلنا بعيدين عن المسار الصحيح لتحقيق هدف توفير الطاقة بأسعار معقولة وموثوقة ومستدامة وحديثة للجميع بحلول عام 2030، كما ورد في تقرير تتبع الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة لعام 2024.

وشهد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون أيضًا تقدمًا بشأن الهدف العالمي بشأن التكيف، مع الاتفاق على مضاعفة تمويل التكيف بحلول عام 2025 مقارنة بمستويات عام 2019، كما هو موضح في ميثاق غلاسكو للمناخ في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين.

إن هذا الالتزام حيوي بالنسبة للدول النامية التي تتحمل العبء الأكبر من تغير المناخ. ولكن الإطار يظل غامضاً، ولا توجد خريطة طريق واضحة لمراقبة أو تقييم هذه الالتزامات.

غالبًا ما يشير تمويل التكيف إلى الموارد المالية المخصصة لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع التأثيرات السلبية لتغير المناخ. ويتم ذلك في المقام الأول من خلال تمويل المشاريع والبرامج المصممة لبناء القدرة على الصمود في مواجهة الكوارث المرتبطة بالمناخ.

إن تمويل التكيف هو أحد القضايا الأكثر إلحاحاً بالنسبة لدول الجنوب العالمي. وتعاني دول مثل بنغلاديش وموزامبيق والفلبين بالفعل من تأثيرات مناخية شديدة.

وبدون موارد مالية كبيرة، تصبح قدرة البلدان النامية على التكيف محدودة للغاية. ويتعين على مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين أن يعالج هذه الفجوة من خلال ضمان توفير التمويل المخصص للتكيف بالكامل وتلبية الاحتياجات الحقيقية للدول النامية بشكل فعال.

مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، سوف تهيمن العديد من القضايا الرئيسية على أجندة الدول النامية. وتشمل هذه القضايا تمويل المناخ، وتشغيل صندوق الخسائر والأضرار، ودمج أنظمة الغذاء في الاستراتيجيات المناخية الوطنية.

إن أحد القضايا الأكثر إلحاحاً في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين هو تمويل المناخ. ولطالما زعمت بلدان الجنوب العالمي أن الدعم المالي من البلدان المتقدمة غير كاف. ويقدر تقرير فجوة التكيف لعام 2023 أن التمويل المطلوب يتراوح بين 194 و366 مليار دولار أميركي سنوياً.

وبدون إحراز تقدم ملموس في تمويل المناخ، فإن وعود اتفاق باريس ستظل بعيدة المنال بالنسبة للعديد من الدول النامية في ما يتصل ببنود جدول أعمال تغير المناخ الرئيسية ــ وخاصة التكيف.

ومن القضايا الحاسمة الأخرى تشغيل صندوق الخسائر والأضرار، الذي تم إنشاؤه رسميا في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين. والصندوق مصمم لتعويض البلدان النامية عن التأثيرات المناخية القائمة الناجمة عن الانبعاثات من الدول الأكثر ثراء.

في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، وصلت التعهدات المقدمة لصندوق الخسائر والأضرار بسرعة إلى نحو 770.6 مليون دولار. ومع ذلك، فإن هذا المبلغ لا يمثل سوى قطرة في بحر بالنظر إلى المليارات من الدولارات اللازمة لمعالجة حجم الخسائر والأضرار بشكل فعال.

إن التحدي الذي يواجه مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين يتمثل في ضمان وفاء البلدان المتقدمة بالتزاماتها وتوزيع الأموال بشكل عادل على الأكثر تضررا من تغير المناخ.

ومع ذلك، تظل هناك أسئلة رئيسية بشأن تفاصيل تشغيل الصندوق، بما في ذلك حجم التمويل الذي سيتم تخصيصه، ومن سيساهم، وكيف سيتم توزيع الأموال.

وفي مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، ستدعو الدول النامية إلى التنفيذ السريع لهذا الصندوق، وتطالب بإرشادات واضحة بشأن الأهلية والتوزيع. كما ستدعو إلى تقديم مساهمات من مصادر محتملة في إطار اتفاق باريس، حيث يتجاوز حجم التحدي بكثير المستوى الحالي للموارد الموعودة.

كما تمت مناقشة أنظمة الغذاء خلال مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، لكن الإجراءات الملموسة كانت محدودة.

إن القطاع الزراعي يساهم بشكل كبير في تغير المناخ وهو عرضة بشكل كبير لتأثيراته. وتعتمد الدول النامية بشكل كبير على الزراعة، وبالتالي، بدون دمج أنظمة الغذاء في السياسات، فإن الجهود المبذولة للتخفيف من آثار تغير المناخ سوف تكون قاصرة.

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن عدد سكان العالم سيصل إلى 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، وهو ما يتطلب زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 60%.

ومن المرجح أن تحث بلدان الجنوب العالمي خلال مؤتمر المناخ (COP29) على التركيز بشكل أكبر على أنظمة الغذاء، مع التأكيد على الحاجة إلى الزراعة الذكية مناخيا، وخفض انبعاثات الميثان، وممارسات استخدام الأراضي الأكثر استدامة.

ولضمان قدرة البلدان النامية على تنفيذ هذه التحولات بفعالية، لا بد من دعم الاستراتيجيات بالدعم المالي والفني.

ومع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر المناخ (COP29)، يظل السؤال مطروحا: هل ستُسمع أخيرا أصوات بلدان الجنوب العالمي بشأن التقدم الاجتماعي والاقتصادي المتقدم والملموس؟

منذ سنوات، كانت الدول النامية تدعو إلى اتخاذ إجراءات أكثر طموحا بشأن تمويل المناخ والتكيف معه والتخفيف من آثاره. ويقدم مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون فرصة فريدة لمعالجة هذه القضايا التي طال أمدها وضمان فعالية الاستجابة العالمية للمناخ.

إن نجاح مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين سوف يتوقف على استعداد البلدان المتقدمة للوفاء بالتزاماتها، والمشاركة في مفاوضات بناءة وتطلعية، وتوفير الدعم المالي والفني الأساسي، بما في ذلك الوفاء بتعهد الـ 100 مليار دولار ومضاعفة تمويل التكيف بحلول عام 2025.

ولكي تتاح لجنوب العالم فرصة عادلة للتعامل مع أزمة المناخ، يتعين على مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين أن يفي بوعوده ويرسم مسارا نحو مستقبل أكثر شمولا لجميع الدول، دون ترك أي أحد خلف الركب.

اترك تعليقاً