من المتوقع أن تشهد البنوك السعودية زيادة كبيرة في هوامش الربح في أوائل عام 2025، مدفوعة بتخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة والتي من المتوقع أن تضعها في وضع إيجابي مقارنة بنظيراتها الخليجية.
وسلط تقرير حديث صادر عن بلومبرج إنتليجنس الضوء على نقاط القوة التي تتمتع بها المؤسسات المالية في المملكة، مشيراً إلى أنها تتمتع بتقييمات أعلى في المقام الأول بسبب تعرضها المنخفض للأسواق المتقلبة.
إن نفوذهم المحافظ لا يساعدهم في وضع جيد فحسب، بل يسمح لهم أيضاً بزيادة استراتيجية في الربحية مع انخفاض أسعار الفائدة.
وعلاوة على ذلك، فإن إدارتها الماهرة للمشهد الضريبي تعزز قدرتها التنافسية مقارنة بدول الخليج الأخرى.
وبالإضافة إلى هذه العوامل، يشير الدور الكبير الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في مشروع بناء بقيمة 2 تريليون دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي يمثل 34% من الإجمالي، إلى أن البنوك في البلاد سوف تحتاج بشكل متزايد إلى تأمين التمويل لدعم مجموعة متنوعة من المشاريع الجارية.
إثر قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في 18 سبتمبر/أيلول، خفضت البنوك المركزية في السعودية والإمارات والبحرين أسعار الفائدة لديها بمقدار 50 نقطة أساس، كما خفضت قطر أسعار الفائدة على الودائع والإقراض وإعادة الشراء بمقدار 55 نقطة أساس.
ويشير هذا التغيير إلى تحول في السياسة النقدية الأميركية بعد عامين من رفع أسعار الفائدة بهدف السيطرة على التضخم.
إن البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، عادة ما تتماشى سياساتها مع سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بسبب ربط عملاتها بالدولار الأميركي.
ويتوقع المحللون في التقرير أن ينفذ بنك الاحتياطي الفيدرالي سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة، تبدأ بخفض بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر/أيلول، ثم بخفض بمقدار 25 نقطة أساس في الاجتماعين التاليين. وسيبلغ إجمالي التخفيضات 100 نقطة أساس خلال العام.
ومن المتوقع أن يدعم خفض أسعار الفائدة مشاريع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ويسرع وتيرة الأنشطة غير النفطية. ومن المرجح أن تستفيد الشركات في القطاعات كثيفة رأس المال مثل العقارات والبناء والبنية الأساسية من الائتمان الأرخص، مما يسهل فرص التوسع والاستثمار الأكثر قوة.
تأثير أسعار النفط والإنفاق الحكومي
ويتأثر تقييم البنوك الخليجية بعدة عوامل رئيسية، أبرزها أسعار النفط والإنفاق الإقليمي، بحسب التقرير. ويعتبر متوسط سعر 80 دولاراً للبرميل ضرورياً للحفاظ على السيولة في القطاع المصرفي الخليجي، لأنه يدعم الاستقرار الاقتصادي والتدفقات النقدية اللازمة للعمليات المصرفية.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، يتطلب تحقيق التوازن في الميزانية سعر نفط يبلغ 108 دولارات للبرميل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام، الذي ارتفع بمقدار 111 مليار دولار من عام 2016 إلى عام 2023. بما في ذلك الاستثمارات من قبل صندوق الثروة السيادية في المشاريع المحلية، زاد إجمالي الإنفاق بمقدار 148 مليار دولار.
وترتبط هذه الزيادة في الإنفاق بمبادرات حكومية مختلفة تهدف إلى تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وتكشف بيانات ميد لشهر يوليو/تموز أن المملكة العربية السعودية تتصدر قائمة الدول التي تنفق 680 مليار دولار على مشاريع بناء بقيمة 2 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، باستثناء المشاريع المتعلقة بالطاقة.
أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي تقدر قيمته بنحو 925 مليار دولار، عن زيادة أصوله بنسبة 29% لتصل إلى 2.87 تريليون ريال سعودي (765.2 مليار دولار) في عام 2023.
ويعود هذا النمو إلى حد كبير إلى التركيز القوي على الاستثمارات المحلية، حيث ارتفعت المخصصات للبنية التحتية المحلية وتطوير العقارات بنسبة 15% على أساس سنوي إلى 233 مليار ريال، في حين زادت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 14% إلى 586 مليار ريال.
وفي الوقت نفسه، قدمت الحكومة السعودية قوانين وإصلاحات جديدة لتحفيز وتشجيع الاستثمار المحلي، بما يتماشى مع مبادرة رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط.
ومع وجود خطط لاستثمار حوالي 680 مليار دولار في مشاريع البناء على مدى السنوات الخمس المقبلة، قد تحتاج البنوك إلى حوالي 400 مليار دولار لتمويل 60% من هذا المشروع، بالاعتماد على مزيج من الودائع وإصدار الديون الإضافية.
تمويل النمو
وبحسب ما أوردته بلومبرج إنتليجنس، أصدرت البنوك السعودية ديوناً بقيمة 13 مليار دولار حتى أغسطس/آب، منها 6 مليارات دولار جاءت من مصادر باستثناء شهادات الإيداع التي أصدرها البنك الوطني السعودي في سنغافورة. ويتجاوز هذا المبلغ 11 مليار دولار من الديون التي أصدرتها البنوك الإماراتية خلال نفس الفترة.
ومن المتوقع أن يصل إجمالي إصدارات الديون من البنوك السعودية إلى 15 مليار دولار على الأقل سنويا، بدعم من استراتيجية تمويل متنوعة تشمل ما يصل إلى 15% من التمويل بالجملة.
وكانت آخر حالة تفوق فيها أداء البنوك السعودية على البنوك الإماراتية في إصدار الديون في عام 2022، عندما كان شح السيولة وزيادة الطلب على رأس المال، وخاصة من قطاع الرهن العقاري، سائدين.
وأشارت بلومبرج إنتليجنس إلى أن طلبات الاكتتاب على سندات الدين المقدمة من البنوك السعودية تجاوزت 3.7 مرة، مقارنة بثلاث مرات لنظيراتها في الإمارات العربية المتحدة. وهذا يشير إلى ثقة المستثمرين القوية والسيولة الوفيرة في السوق، مما يمكّن البنوك السعودية من تأمين رأس المال اللازم للتوسع مع تقدم الدولة في مبادرات رؤيتها 2030.
ومع ذلك، أشار التقرير أيضًا إلى تحدٍ: حيث تتعامل البنوك السعودية مع عدم تطابق العملة بقيمة 4 مليارات دولار، مما يعني أنها ربما اقترضت بعملة واحدة بينما كانت تدير الأصول أو الإيرادات بعملة أخرى، مما يعرضها للمخاطر المالية الناجمة عن تقلب أسعار الصرف.
وعلاوة على ذلك، أدت المنافسة المتزايدة بين البنوك السعودية إلى تضييق الفوارق بين القروض المقدمة للشركات، الأمر الذي يجعل فرض أسعار فائدة أعلى أمراً صعباً. ورغم أن انخفاض أسعار الفائدة قد يحسن هذه الفوارق، فإن التكاليف المرتفعة للالتزامات تجبر البنوك على البحث عن استراتيجيات إضافية لتعزيز ربحية قروضها المقدمة للشركات.
التحول إلى التمويل المستدام
تعتمد البنوك السعودية في المقام الأول على التمويل بالجملة من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، ومع ذلك، يعتبر هذا المصدر غير موثوق به للالتزامات طويلة الأجل، وخاصة تلك بالعملات الأجنبية.
وبناء على ذلك، يؤكد التقرير على الحاجة الملحة لأن تعمل البنوك السعودية على تأمين خيارات تمويل أكثر استقرارا وطويلة الأجل لدعم عملياتها ونموها.
وبحسب بلومبرج إنتليجنس، انخفضت حصة التمويل بالجملة في الميزانيات العمومية للبنوك السعودية من 15% في الربع الرابع من عام 2023 إلى 14% في يونيو، مما يشير إلى تحول في كيفية إدارة البنوك لاحتياجات السيولة وتقليل الاعتماد على الاقتراض قصير الأجل بين البنوك.
بالإضافة إلى ذلك، قدمت البنوك الإماراتية دعم السيولة للبنوك السعودية من خلال الودائع ذات الفائدة، وهو ما يبرز التعاون المالي عبر الحدود.
ورغم أن الديون غير المضمونة لا تشكل سوى 3% من أصول البنوك، فقد ارتفع هذا الرقم بسبب إصدار الديون بشكل قياسي هذا العام. ويشير هذا إلى أنه على الرغم من أن البنوك السعودية تعمل على توسيع ملفات ديونها، فإن جزءاً كبيراً من تمويلها يظل مضموناً.
وعلاوة على ذلك، يمثل رأس المال من الفئة الأولى 2% من الميزانية العمومية، مما يشير إلى استقرار وضع رأس المال نسبة إلى إجمالي الأصول. والجدير بالذكر أن مصرف الراجحي ومصرف الإنماء قد تلقيا مبالغ كبيرة في شكل ودائع لأجل من بنوك أخرى، مما يشير إلى تباين في المبالغ التي يمكنهما تأمينها بمرور الوقت على الرغم من مشاركتهما في التمويل بالجملة.
جودة الأصول والربحية
وتحافظ البنوك السعودية على استقرار جودة الأصول، مع ارتفاع نسبة القروض الجيدة أو المرحلة الأولى إلى 93.4% في النصف الأول من العام، مقارنة بـ 92.8% في عام 2023. ويعزى هذا التحسن إلى نشوء قروض جديدة قوية.
وأشار التقرير إلى أن عمليات الشطب والاسترداد ارتفعت بشكل كبير، وبلغت ذروتها عند 6 مليارات ريال في الربع الرابع، مما أدى إلى انخفاض القروض المتعثرة من الدرجة الثالثة إلى 1.6% فقط.
وللتخفيف من حدة المخاطر المحتملة، تعمل البنوك على تعزيز احتياطياتها الاحتياطية، مع ارتفاع تغطية قروض المرحلة الأولى إلى 45 نقطة أساس. وتحسنت تكلفة المخاطر إلى 34 نقطة أساس في الربع الثاني، متجاوزة التوقعات؛ ومع ذلك، فقد ترتفع في النصف الأخير من العام إذا تعثرت اتجاهات التعافي.
في المقابل، من المرجح أن تواجه البنوك الإماراتية، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في الربحية العام الماضي، ارتفاعاً في تكاليف المخاطر مع سعيها للتكيف مع هيكل ضريبي جديد للشركات في حين تسعى جاهدة للحفاظ على مستويات أدائها.
ويشكل فرض ضريبة بنسبة 9%، والتي من المتوقع أن ترتفع إلى 15% في عام 2025، إلى جانب إمكانية فرض متطلبات تخصيص أعلى في المستقبل، تحديات كبيرة لهذه البنوك.
من ناحية أخرى، تخضع البنوك السعودية بالفعل لضريبة زكاة بنسبة 10%، لكنها تعمل برافعة مالية أقل مقارنة بنظيراتها في الإمارات العربية المتحدة. ويضع هذا الرفع المالي المنخفض البنوك السعودية في وضع أفضل لتعزيز عائدها على حقوق المساهمين إذا انخفضت أسعار الفائدة.
ورغم نجاح البنوك الإماراتية في تخفيف تأثير ضريبة الشركات في نتائجها المالية للربع الثاني، فإن هوامشها تتعرض لضغوط، مما يثير المخاوف بشأن قدراتها على استرداد القروض، وهو ما قد يؤثر على نسب القروض المتعثرة.
وبحسب بلومبرج إنتليجنس، من المتوقع أن تحافظ البنوك القطرية على هوامش مستقرة نسبيا، لكن تعرضها لقطاع العقارات يشكل خطرا على جودة الأصول. ومن الممكن أن يعمل التعافي في هذا القطاع كمحفز مهم لتعزيز الاستقرار والأداء بشكل عام.
وذكرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في أغسطس/آب أن البيئة التشغيلية للبنوك السعودية مواتية، حيث منحتها درجة bbb+، وهي الأعلى بين القطاعات المصرفية في دول مجلس التعاون الخليجي.
وتمثل هذه النتيجة درجة واحدة أعلى من تصنيفات أقرب نظرائها – الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت – وتمثل أعلى درجة تمنحها وكالة فيتش على مستوى العالم لقطاعات البنوك في الأسواق الناشئة.
وتوقعت فيتش أن تواصل البنوك السعودية النمو بمعدل يفوق متوسط معدل النمو في دول مجلس التعاون الخليجي بنحو الضعف، مع نمو التمويل المتوقع بنحو 12% في عام 2024، مقارنة بنحو 11% في عام 2023.