تُعتبر العرضة السعودية واحدة من أبرز الفنون الشعبية التي تعكس الهوية الوطنية في المملكة العربية السعودية، وقد ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بفتوحات الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وجهوده في توحيد البلاد.
تعكس هذه العرضة أجواء الحرب والاستعداد للمعركة، حيث تُستخدم فيها طبول الحرب التي تُصدر إيقاعات حماسية، ويشارك فيها الفرسان على خيولهم، بالإضافة إلى حاملي البنادق المعروفين بـ “أهل المعقودة”، الذين يؤدون حركات منتظمة ومميزة أثناء إطلاق النار.
سُمّيت العرضة السعودية بهذا الاسم نسبةً إلى الاستعراض الذي يقوم به الفرسان على خيولهم، حيث كانت تُؤدى قبل خوض المعارك وفي مناسبات الانتصار والأعياد. تُنفَّذ العرضة في صفوف منظمة، حيث يُظهر الفرسان سيوفهم ويلوحون بها يمينًا ويسارًا بشكل متناغم،
وتُرافقها قرع الطبول الحماسية. يتوسط الصفوف حامل الراية، مرددين أبياتًا شعرية تحفز على الشجاعة والبطولة. تبدأ العرضة بـ “الحوربة”، وهو النداء الأول الذي يُطلقه مؤدٍ يُعرف بـ “المحورب”، بصوت جهوري ومن مقام النوى الموسيقي، مرددًا: “يالله ياللي لا إله غيره .. ياناصر جنده على العدواني”، فيرد عليه المشاركون بصوت جماعي جهوري: “أبشر”، ثم تتوالى المراحل.
تتيح العرضة السعودية لأكثر من مجموعة أداءها في وقت واحد وفي أي اتجاه، مما يعزز من روح الجماعة والتآلف. لقد لعبت العرضة دورًا أساسيًا في رفع الروح المعنوية وإظهار القوة، حيث كانت تُؤدى في ساحات المعارك لتوحيد الصفوف وإشعال الحماس في نفوس المحاربين. ومع مرور الزمن، تم إدخال الطبول الكبيرة، المعروفة بطبول التخمير، والطبول الصغيرة، المسماة طبول التثليث، لتعزيز قوة الصوت وزيادة الحماس في الأجواء.
وقد نالت العرضة اهتمام الأدباء والمؤرخين، ومن بينهم الأديب الكبير عباس محمود العقاد، الذي تناولها في مؤلفه “مع عاهل الجزيرة العربية”، واصفًا إياها بأنها من أكثر الفنون شعبية لدى الملك عبدالعزيز، حيث قال: “ومن أحب الرياضات إلى الملك عبدالعزيز، رقصة الحرب التي يرقصها النجديون، وهم مقبلون على الميدان، وهي عرضة مهيبة متزنة تثير العزائم وتحيي في النفوس حرارة الإيمان”.
إن العرضة السعودية ليست مجرد تقليد شعبي؛ بل هي إرث وطني يجسد روح الشجاعة والفخر، ويعكس تاريخ المملكة في الحروب والانتصارات. إنها جزء لا يتجزأ من الهوية السعودية ومرجع ثقافي للأجيال القادمة، لترسخ في النفوس حب الوطن والفخر بتاريخ الأجداد وعزائمهم.
يتسم أداء العرضة بتنوع الأزياء، حيث يرتدي المشاركون الثوب والغترة والعقال، بالإضافة إلى الصاية أو الدقلة والمحزم، بينما يرتدي أهل الطبول الفرملية. كما تُستخدم أسلحة متنوعة مثل السيف والبندقية والفرد والخنجر، مما يضفي أصالة ورونقًا على الأداء. يُعتبر السيف عنصرًا أساسيًا، حيث يتناغم اللاعبون به مع إيقاع العرضة،
ويرفعونه فوق الكتف أو يضعونه عليه أثناء اللعب لإراحة اللاعب. يُحرص دائمًا على توجيه حد السيف إلى الخارج لضمان سلامة المشاركين، وعند الاستدارة إلى الخلف، يرفع اللاعب السيف إلى الأعلى، ويستدير بحذر لتجنب إيذاء من حوله. كما يُمسك بالسيف بوضعية تُعرف بـ “الكتاف”، حيث يُوضع السيف خلف الظهر ويُمسك بكلتا اليدين. تعكس هذه الحركات المهارات الدقيقة المطلوبة في العرضة، وتُبرز التناغم بين الأزياء والأسلحة في عرض يجسد التراث السعودي العريق.