يشهد العالم تحولًا جذريًا في قطاع الطاقة، إذ تتجه الأنظار نحو مصادر الطاقة المتجددة والحلول الذكية، وفي قلب هذا التحول، يمثل الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في تشكيل مستقبل القطاع، وخاصة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ويشهد العالم تحولًا اقتصاديًا كبيرًا مدفوعًا بالذكاء الاصطناعي، إذ من المتوقع أن يساهم بنحو 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، مع حصول منطقة الشرق الأوسط على نصيب كبير من هذا النمو بقيمة تبلغ 320 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل نسبة تبلغ 2% من الفوائد العالمية المتوقعة من الذكاء الاصطناعي، وذلك وفقًا لتقديرات شركة (PWC).
وتتصدر السعودية والإمارات قائمة الدول المستفيدة من الذكاء الاصطناعي في المنطقة، فمن المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 135.2 مليار دولار أمريكي في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بحلول عام 2030، أي ما يعادل 12.4%. أما الإمارات فمن المتوقع أن تشهد تأثيرًا أكبر نسبيًا، إذ ستساهم هذه التقنية بنحو 14% من إجمالي ناتجها المحلي بحلول العام نفسه.
ويمتد تأثير الذكاء الاصطناعي ليشمل قطاع الطاقة، فمن المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي في خفض استهلاك الطاقة العالمي بنسبة تبلغ 10% بحلول عام 2030، مما يساعد في تحقيق وفورات مالية ضخمة، بالإضافة إلى تقليل الانبعاثات الكربونية بشكل ملحوظ.
ولكن ما أوجه تأثير الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة وخاصة في منطقتنا، وما تطبيقاته، وكيف يساهم في بناء نظام طاقة أكثر كفاءة واستدامة؟ وكيف يدعم الذكاء الاصطناعي جهود السعودية والإمارات في تحقيق أهدافهما المناخية؟
أولًا؛ ما تأثير الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة في المنطقة؟
تُعدّ السعودية والإمارات من الرواد في مجال تطبيق الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة، وقد حققتا تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، مما يساهم في تعزيز كفاءة العمليات وتقليل التكاليف بالإضافة إلى دعم جهود التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة. ومع استمرار الاستثمار في البحث والتطوير، من المتوقع أن تؤدي المنطقة دورًا مهمًا في تشكيل مستقبل الطاقة المستدامة على مستوى العالم.
ويواجه قطاع الطاقة في منطقتنا تحديات كبيرة تتعلق بالنمو السكاني السريع والتحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في مواجهة هذه التحديات من خلال:
- التنبؤ بالصيانة: يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالصيانة من خلال تحليل البيانات المتعلقة بأداء المعدات لتوقع الأعطال المحتملة، مما يسمح بإجراء الصيانة الوقائية وتقليل التوقف غير المجدول.
- تحسين عمليات الإنتاج: من خلال تحليل البيانات الضخمة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين عمليات الإنتاج في محطات الطاقة، سواء كانت تقليدية أو متجددة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف.
- التحكم في تدفق الطاقة: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات المتعلقة بطلب الطاقة والمعروض منها، مما يسمح بإدارة الشبكة الكهربائية بأكبر قدر من الكفاءة وتقليل الخسائر.
- اكتشاف مصادر جديدة للطاقة: يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الجيولوجية والجيوفزيائية لاكتشاف حقول جديدة للنفط والغاز.
- تطوير مصادر طاقة متجددة وإدماجها في الشبكة: يساعد الذكاء الاصطناعي في تطوير تقنيات جديدة لمصادر الطاقة المتجددة، مثل تحسين كفاءة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، ويساعد في إدماجها في الشبكة بسلاسة.
- تخفيض تكاليف الإنتاج: باستخدام التحليلات التنبئية والتعلم العميق، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تحسين كفاءة محطات توليد الكهرباء وإدارة الشبكات الذكية، مما يقلل من فقدان الطاقة ويحسن الاستهلاك.
ثانيًا؛ ثورة الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة السعودي:
يقع قلب الابتكار في قطاع الطاقة السعودي في مركز الثورة الصناعية الرابعة في مدينة الظهران، الذي تأسس في عام 2019، والذي يُعدّ بمنزلة العقل الذي يدير من خلاله مهندسو أرامكو تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لترجمة البيانات الضخمة إلى رؤى ذات معنى تدعم آلية اتخاذ القرارات التشغيلية، إذ تساعد هذه البيانات في تحسين أداء منشآتها، وتعزيز كفاءة الطاقة، وتقليل الانبعاثات، وتضمن معايير السلامة.
اقرا ايضا: الذكاء الاصطناعي والروبوتات
وتوجد في وسط هذا المركز منطقة الذكاء الاصطناعي، التي ساهمت خلال خلال المدة الممتدة من 2019 إلى 2022 في تطبيق 55 حلًا بالإضافة إلى تحقيق 125 مليون دولار من تطوير حلول داخل الشركة وتسويقها تجاريًا.
المملكة تتجه نحو اعتماد الذكاء الاصطناعي الشامل:
اتجهت المملكة الآن نحو اعتماد الذكاء الاصطناعي الشامل، وهذا ما أكده معالي المهندس عبدالله بن عامر السواحه؛ وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي، خلال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي عُقد في الرياض خلال شهر أبريل الماضي، بقوله: “لقد عقدت المملكة العديد من الشراكات مع الدول والمنظمات الدولية لشق طريقها نحو اعتماد الذكاء الاصطناعي الشامل”.
وقد أطلقت شركة أرامكو السعودية خلال مؤتمر ليب 2024 أول نموذج ذكاء اصطناعي توليدي في العالم في القطاع الصناعي، الذي يُسمى (أرامكو ميتا برين) aramcoMETABRAIN، والذي يستند إلى بيانات تراكمية جمعتها الشركة خلال 90 عامًا، والذي يساعد في توجيه عمليات التنقيب والحفر، وخفض الأثر الكربوني، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف بمقدار مليار دولار سنويًا.
بالإضافة إلى ذلك، عقدت شركة أرامكو ديجيتال خلال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في شهر سبتمبر الماضي، شراكة مع شركة (جروك) Groq، لإنشاء أكبر مركز بيانات عالمي لاستقراء الذكاء الاصطناعي في المملكة، وذلك بهدف تسخير الذكاء الاصطناعي لدعم أعمالها الأساسية في قطاع الطاقة، إضافة إلى تقديم خدماتها للشركات الأخرى في الشرق الأوسط والهند وأفريقيا. وبحلول نهاية عام 2024، سيصل المركز إلى معالجة 5.28 ملايين رمز في الثانية، ومن المتوقع أن ترتفع القدرة إلى 53 مليون رمز في الثانية بحلول نهاية عام 2025.
كما أطلقت الشركة خلال القمة برنامج (Eye on AI)، الذي يهدف إلى إرساء حوكمة وأنظمة قوية للأمن السيبراني في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تزويد المستخدمين بالمهارات اللازمة للأمن السيبراني في ظل هذا المشهد السريع التطور.