رام الله – فطين عبيد
السفر والتنقل بين المناطق الفلسطينية رحلة تضاعفت فيها فترة الانتظار ساعات عند حاجز أو برج عسكري أو بوابة مغلقة أو مركبة فلسطينية معرضة بالوسط لإغلاق الطريق.
حواجز الاحتلال الثابتة والطيارة، منذ بداية العدوان على غزة يوم 7 أكتوبر الماضي كثيرة، وتضاعفت بعد انتهاء الحرب، ما يضطر الفلسطينيين متابعة حركة الحواجز العسكرية عبر تطبيقات ومواقع التواصل و”جروبات” كل منطقة قبل التحرك، ولكنها ا تتغير أحياناً فجأة، فربما يبلغك الجميع أن الطريق سالكة أو أزمة خفيفة لتذهل عند الوصول أنها أزمة خانقة.



المزاجية غالبا هي القانون، والتي تتصاعد عند وقوع عمليات فلسطينية ضد دولة الاحتلال، أو عمليات اقتحام لمناطق الضفة الغربية، وغالبيتها ليلاً، ما يعرقل أو يورط كثيرين بالانتظار ساعات طويلة على الحواجز.
اليوم الثاني للحرب كانت بداية التنكيل بالفلسطينيين على حواجز الاحتلال، أحياناً يغلق الجنود بوابات بعض المناطق قبل أن يغادروا، كما هو الحال في بوابة سلفيت، ياسوف، صرة، دير شرف، حوارة في منطقة نابلس، وهذه البوابات تفتح بجهاز “رموت” بحوزة الجيش.
بالعادة يدققون الهويات، ويفتشون المركبة، وفي حال الاشتباه بهوية أي مواطن أو مواطنة، يتم انزاله من المركبة والبعض يتم اعتقالهم يكون السبب الكتابة على مواقع التواصل يعتقل الاجتماعي، بتهمة التحريض.
اليوم الثاني لانتهاء الحرب على غزة التي استمر 471 يوماً، غادرنا رام الله عصراً بمركبة عمومي فلسطينية للعودة إلى نابلس، أجرى السائق اتصالاته مع زملائه ليعرف الأسهل، عطارة، عين سينا، “دي سي أو”، ترمسعيا.
فوجئنا عند وصول عطارة بوجود مئات المركبات العمومية الصفراء ومركبات المواطنين، صحيح كنا نعلم من مواقع التواصل عن وجود أزمة على الحاجز، لكن لم نكن نتوقع أبداً هذه الأعداد، التي أصبحت إنارتها في العتمة تبدو وكأن حبال زينة نارية تشق المزارع.
بعد الغروب انقلبت الأحوال الجوية إلى البرودة ومعظم الناس ليس معهم ملابس الشتاء، تحولت الدقائق إلى ساعات من الانتظار، في منطقة جبلية مكسوة بأشجار الزيتون وقريبة من بيوت أهل القرية، بدأت ساعات الانتظار تزيد.
بدأ الناس تجميع الحطب للتدفئة وتحول كامل الجبل لتجمعات بشرية حول النار، تحلقت العائلات والسائقين، وأدرك الجميع بعد مضي ساعات طويلة أن المبيت في الجبل شبه مؤكد، فضلت بعض النساء والأطفال البقاء داخل المركبات.
خلال رحلة الخوف والانتظار، كان معظم الناس تتسلى بجمع الحطب والأعشاب اليابسة من المزارع القريبة، بعضهم جلس على الصخور وآخرين فضلوا الوقوف، والتحلق حول النار، وامتدت فترة الانتظار ثماني ساعات.
تعارف عفوي…؟ إنت من وين ..؟ بتعرف فلان ….؟ وبعض الفضوليون كان يتنقل بين أكثر من نار، ليستمع لحكايات جديدة، المحظوظ من كانت معه مكسرات أو فواكه، وبعض المدخنين نفذت سجائرهم، ما اضطرهم لاستعارة أي سجائر متاحة، وبعضهم تمنى لو معه قهوة وأدواتها.
تتقدم بعض السيارات مسافة قصيرة وتتوقف يكون الحاجز البعيد وغير المرئي سمح بعبور مركبة أو مركبتين، ما يمنح الجميع الانضمام لأناس جدد متجمعين حول النار في المكان الجديد، أو تجهيز نار جديدة وتغذيتها بالحطب، بعد مغادرة النار الأولى.
بعض المتواجدين انطلق بين الأعشاب الخضراء بحثاً عن أي عشبة ممكنة تسكت جوعه، أنا وجدت عشبة تشبه أوراق الفجل، فمضغ أي شيء مع الجوع له لذة، قال شاب لو أعرف فيه وقت بروح أصيد “نياص”. ”
بعد ثماني ساعات من الإنتظار، اقترح البعض البحث عن طريق بديل، وبالفعل بعض المركبات التي أرضيتها عالية بدأت تحاول التوجه لطريق وعرة بديلة لكنها مليئة بالحفر والصخور، سائقنا رفض لأن مركبته لا تتحمل الحفر، إضافة لخطر وجود مستوطنين أو جيش الاحتلال.



بعض المركبات المغامرة نجحت وبعضها رجع لأهوال الطريق، بعض السائقين وصله اتصال من زملائه ترك المكان والتوجه لحاجز عين سينيا في الجهة الأخرى من الجبل، حملق سائقنا بين الجبال وقرر ألا يغادر لأن إنارة مركبات عين سينيا تظهر طوابير السيارت.
قرر شاب في مركبتنا العودة إلى رام الله، وذلك مع دخول الساعة التاسعة من الانتظار، سألته هل ممكن أن أعود معك طالما صديقك معه سيارة.. فقال تفضل، سائق المركبة التي غادرناها رفض في البداية أخذ الأجرة لأننا لم نصل وجهتنا، ولكن مع إلحاحنا وافق.
التحقت بنا فتاتين من نفس مركبتنا، عدنا لرام الله مع صديقه بعد مشي مسافة بعيدة، وفي العودة لمحنا مركبات حاولت البحث عن طرق بديلة عالقة في الجبال، بسبب سوء الطريق، كما وجدنا بعض الشباب متبرعين يوجهون الناس الذهاب إلى المدارس أو المساجد أو مباني البلديات للمبيت، كلها جاهزة لاستقبالكم.
سيناريوهات الطرق وحواجز جيش الاحتلال انتشرت في الأعوام الأخيرة، “المربعة” الملاصقة لقرية بورين، حاجز عورتا وحاجز دير شرف القريب من مدينة نابلس، حاجز عناب القريب من طولكرم، الجلمة، تياسير القريب من جنين، والذي هز الاحتلال الأسبوع الجاري بعملية لشاب تمكن من مهاجمة المكان وقتل عدد من الجنود قبل استشهاده.
عشرات الأسماء لحواجز جديدة، فهناك الآن 898 حاجز عسكري ثابت أو طيار أو بوابة منتشرة في مناطق الضفة الغربية، وبعد الرحلة الطويلة ربما يفاجئ الفلسطيني، أن بوابة قريته مغلقة، وحتى البديل الترابي أو ما تسمى الفتحات، مغلقة بمركبة أو شاحنة، فالاحتلال يصادر أي مركبة فلسطينية ويعرضها بالطريق، ويأخذ المفاتيح ويغادر.