تسعى الدول الكبرى إلى إنشاء شبكة متنوعة من وسائل النقل الجماعي تتميز بجودة عالية وسهولة في الاستخدام، بالإضافة إلى توفير وسائل دفع مريحة. ومن الأهمية بمكان أن تتيح هذه الشبكة الوصول السريع والسلس إلى الوجهات التي يرغب سكان المدن في الوصول إليها. تسعى الحكومات دائماً إلى تطوير المدن وتحديث بنيتها التحتية لتصبح نموذجاً لشبكة نقل ومواصلات عصرية تدعم الهيكل التنظيمي والخدمات العامة والمرافق، فضلاً عن القوى الصناعية والتعليمية والاجتماعية بشكل عام.
«مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام»
عند النظر إلى الطرق ووسائل النقل من منظور وظيفي، نجد أنها تلعب دوراً مهماً في تسهيل عمليات الإنتاج وتحقيق التنمية، بالإضافة إلى توفير وسائل النقل العامة للأفراد والسلع. كما تسهم في استدامة الحياة والخدمات الاجتماعية الأساسية، وتربط بين مختلف أرجاء المدينة والمدن الأخرى، وتتيح الوصول إلى المناطق الريفية والهجر بسرعة وبتكلفة منخفضة، مع توفير أعلى مستويات الأمان.
تكمن أهمية تطوير الطرق ووسائل النقل في ربط المدن بالمناطق النائية، مما يعزز الحركة التجارية ويساهم في تطوير المدن وانتعاش الاقتصاد. كما يسهل الوصول إلى أماكن العمل والمنتجات الزراعية والخدمات العامة والخاصة ومناطق الترفيه.
تركز الأمم المتحدة على الفوائد الكبيرة لمشروع النقل العام الذكي في أي دولة، خاصة تلك التي تتمتع بمكانة عالمية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية. إذ ترى أن لهذا المشروع أبعادًا إنسانية مهمة، تشمل تسهيل التنقل بين الأماكن، وتقليل الفجوات الطبقية، وتعزيز الروابط الاجتماعية.
كما يتيح للناس استغلال أوقات التنقل في العمل عبر الإنترنت، والقراءة، والاستمتاع بالأنشطة الثقافية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للدولة استثمار مشاريع النقل العام، حيث تمثل مصدر دخل جيد للعديد من الدول المتقدمة، مع توفير فرص عمل متنوعة ومتجددة.
مخطط استراتيجي شامل
كان يُعتقد أن الطرق الرئيسية التي تم تصميمها منذ منتصف السبعينات ستكون كافية لاستيعاب حركة النقل في العاصمة الرياض. لكن النمو السريع في المملكة تجاوز جميع التوقعات. ومع بداية الألفية الجديدة، أدركت المملكة الحاجة إلى وضع مخطط استراتيجي شامل لمدينة الرياض، وهو ما تم إنجازه في عام 2003، حيث تضمن تصورًا وخططًا لنظام نقل عام متكامل. وفي عام 2012، أقر مجلس الوزراء “مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام في الرياض”.
تسعى المملكة دائمًا لتحقيق الريادة، لذا قررت أن تكون شبكة النقل العام فريدة من نوعها من حيث الشكل والمضمون والأهداف. تهدف هذه الشبكة إلى أن تكون متكاملة وعالمية، مع تخطيط هندسي ومعماري متميز، مع التركيز الكامل على السلامة والموثوقية. كما يسعى المشروع الوطني للنقل إلى منافسة السيارات الخاصة، ليكون وسيلة مريحة واقتصادية وممتعة للتنقل في العاصمة النابضة بالحياة، بالإضافة إلى كونه معلمًا حضاريًا ومقصدًا سياحيًا، وعاملاً من عوامل الاقتصاد المتجدد.
رؤية الملك المؤسس
لم يكن السفر بالقطار جديدًا على الرياض، فقد أسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله – أولى خطواته من خلال ربط الرياض بميناء الدمام، لتلبية احتياجات العاصمة من الموارد عبر الميناء الواقع على الخليج العربي. تولت شركة أرامكو بناء السكة الحديدية التي تربط بين المدينتين، والتي تمتد على طول 447 كيلومترًا، مع محطات توقف في الهفوف وحرض والخرج. تم تدشين هذا الخط في عام 1951م،
وقد أثبت فعاليته الكبيرة في نقل البضائع والركاب بين المدينتين منذ انطلاقه، وما زال قائمًا ويتم تطويره وتحديثه باستمرار، ليصبح رمزًا للنقل البري في المملكة. كما كانت خدمة الحافلات موجودة في فترة الستينات، ورغم ذلك…
قطار الرياض
يشكِّل مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام في الرياض منعطفًا كبيراً في مسيرة تطوير المدينة، فقد عمل المهندسون ومخططو المدن في الهيئة الملكية لمدينة الرياض على تخطيط هذا المشروع وتصميمه وبنائه في العاصمة بوصفه نظام نقل حضريًا يتكوَّن من ستة خطوط للقطار،
تتكامل تمامًا مع شبكة حافلات متطورة تدعم احتياجات التنقل لسكان المدينة البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة والأعداد المتزايدة من الزوار، والسياح المحليين والدوليين، وتغطي كامل مساحة منطقة الرياض الحضرية البالغة 1,550 كيلومترًا مربعًا تقريبًا،
حيث يبلغ طول شبكة الخطوط الستة اليوم 176 كيلومترًا وتخدمها 84 محطة، فوق الأرض، ومنع طرق ومحطات نفقية تحت الأرض بمسافة تتجاوز 60 كم تحت المباني والطرق والبنية التحتية الحضرية الأخرى، و100 كيلومتر من خطوط القطار تمر على السطح أو على جسور مرتفعة فوق الطرق السريعة وبعض المناطق، وتوفر للركاب إطلالات رائعة على أرجاء المدينة أثناء تنقلهم بسهولة بين المحطات براحة وأمان في أجواء هادئة ومكيَّفة، وسريعة.
حافلات الرياض
شهدت شوارع الرياض دخول نظام متطور يتمثل في شبكة متميزة من حافلات النقل العام الذكي. تم تطوير وتنفيذ شبكة حافلات الرياض الجديدة لتقديم خدمات النقل عبر ثلاثة مستويات: حافلات النقل السريع (BRT)، وخطوط التغذية، وخدمات الحافلات المجتمعية. يتميز نظام حافلات النقل السريع بوجود مسارات خاصة تتيح النقل السريع والمنتظم بين حوالي مائة محطة،
بما في ذلك أربع محطات رئيسية. يرتبط هذا الجزء من الشبكة بخدمات القطار وخطوط حافلات التغذية والحافلات المجتمعية، مما يسهل انتقال الركاب بين هذه المكونات الأربعة باستخدام حافلات كهربائية متطورة ووسائل دفع مبتكرة وسريعة.
كما أن الأجرة رمزية، حيث لا تتجاوز 4 ريالات، مما يتيح للراكب استخدام أكثر من حافلة خلال ساعتين بنفس المبلغ. بالإضافة إلى ذلك، هناك 19 خطًا لحافلات المجتمع بطول إجمالي يبلغ 1905 كيلومترات، تخدم عددًا مماثلًا من محطات الحافلات، وتربط بين الضواحي والمناطق التجارية، فضلاً عن محطات القطار وحافلات النقل السريع على طول مساراتها. بعض الحافلات التي تسير على هذه الطرق تُعتبر “مركبات”.
المحطات ودورها في النقل والاقتصاد
تعتبر محطات القطارات والحافلات نقاطًا حيوية اجتماعيًا واقتصاديًا، حيث تم توزيعها في أطراف الأحياء، وخاصة عند حدود المدينة، مما يسهم في تعزيز النمو في المناطق المحيطة بها. هذا التوزيع يجعل من كل محطة منطقة حضرية مستقلة، بدلاً من الاعتماد على المدينة التاريخية أو المناطق البعيدة لتلبية احتياجاتها من الخدمات. وقد أصبحت هذه المحطات مناطق جذب سكاني، حيث بدأ الناس يتجمعون للسكن بالقرب منها، مستفيدين من المرافق المتنوعة التي تشمل الإسكان والمكاتب والتجارة والترفيه. وهذا ما توفره شبكة النقل العام في الرياض، التي تم دمجها بشكل كامل في نسيج المدينة.
تحول وجه الرياض
مع إنجاز هذا المشروع بمراحله المختلفة، سيتغير وجه العاصمة بعد سنوات من التخطيط، حيث يهدف إلى وضع الرياض في مقدمة أنظمة النقل العام على مستوى العالم. من حيث الطول الكلي للشبكة وعدد محطات القطار، تنضم الرياض إلى قائمة العواصم العالمية التي تمتلك شبكات نقل عام متطورة. وباعتبارها جزءًا أساسيًا من المشروع، فإن خطوط الحافلات ذات المسار المخصص تعزز مكانة الرياض بين المدن العالمية من حيث الطول وعدد المحطات.