في أعقاب جائحة كوفيد-19، أكدت الدول في جميع أنحاء العالم على أهمية مرونة الصناعات الدوائية الحيوية لحماية شعوبها من الاضطرابات في سلاسل توريد الأدوية. والمملكة العربية السعودية ليست استثناءً. تعمل المملكة الآن بنشاط على بناء القدرات في تصنيع الأدوية الحيوية، سواء لتلبية الاحتياجات المحلية أو كلاعب تنافسي في السوق العالمية. يتماشى هذا الواجب الوطني مع الأهداف الأوسع لرؤية 2030، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز الصناعات الحيوية.
ومن المعالم الرئيسية في هذا الجهد الاتفاقية الأخيرة بين شركة ليفيرا بيولوجيكس، وهي ذراع التصنيع التعاقدي لشركة ليفيرا، ونوفو نورديسك، ثاني أكبر شركة أدوية عالمية ورائدة عالميًا في مجال رعاية مرضى السكري والسمنة. وستضمن هذه الشراكة أن تنتج ليفيرا أكثر من 50% من احتياجات المملكة العربية السعودية من الأنسولين. وتلتزم شركة ليفيرا، التي أنشأها صندوق الاستثمار العام، بهدفين وطنيين: تعزيز مرونة الصناعات الدوائية الحيوية وتعزيز الاستراتيجية الوطنية السعودية للتكنولوجيا الحيوية.
إن التعاون مع نوفو نورديسك هو مجرد البداية. حيث من المقرر أن يبدأ تشغيل أول منشأة تصنيع لشركة ليفيرا بحلول عام 2026، حيث ستنتج 80 مليون وحدة من المواد القابلة للحقن سنويًا، بما في ذلك الأنسولين والأجسام المضادة وحيدة النسيلة. ومن المتوقع أن يؤدي التوسع الطموح بحلول عام 2029 إلى زيادة هذه القدرة إلى 250 مليون وحدة، بما في ذلك اللقاحات والببتيدات بما في ذلك العلاجات المضادة للسمنة وغيرها من المواد البيولوجية. وسوف يتماشى نطاق التصنيع في ليفيرا مع أفضل المعايير العالمية، مما يوفر للمنطقة سلسلة توريد مرنة.
مع ذلك، فإن القيمة الحقيقية لهذه التطورات لا تكمن فقط في القدرة على التصنيع ولكن في تطوير الخبرة المحلية. إن التحدي الرئيسي على مستوى العالم في مجال الأدوية الحيوية ليس بالضرورة توافر رأس المال أو المعدات أو الاهتمام – بل هو في الواقع توافر المواهب الماهرة. بدأت شركة ليفيرا بالفعل في إرسال الموظفين إلى الخارج للتدريب المتقدم في المواقع الشريكة. وبحلول عام 2027، سيتم تدريب أكثر من 120 فردًا في تصنيع المواد البيولوجية، مما يساعد في بناء قوة عاملة ماهرة قادرة على دفع طموحات المملكة العربية السعودية في مجال الأدوية الحيوية. ومن خلال تطوير القوة العاملة المناسبة، جنبًا إلى جنب مع العديد من الحوافز الأخرى التي تقدمها الحكومة السعودية، نتوقع أن نشهد زيادات كبيرة في الاستثمار الأجنبي والشراكات مع شركات القطاع الخاص السعودي مع ترسيخ المملكة العربية السعودية لنفسها كلاعب عالمي رائد في قطاع الأدوية الحيوية.
وكان الدعم الذي قدمته مختلف الجهات الحكومية السعودية عنصراً حاسماً في هذا المسعى. فقد لعبت وزارات الصناعة والصحة والاستثمار، إلى جانب هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية وشركة نوبكو، وهي منظمة المشتريات العامة للرعاية الصحية في القطاع العام، أدواراً رئيسية في وضع الأطر اللازمة لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية في مجال الأدوية الحيوية. ولا تقتصر هذه الجهود على النمو الصناعي فحسب، بل إنها تشكل عنصراً أساسياً في تحقيق الأهداف الوطنية الأوسع للمملكة العربية السعودية المتمثلة في التنويع الاقتصادي وتحويل قطاع الصحة.
إن هذا وقت مثير لقطاع الأدوية الحيوية في المملكة العربية السعودية. إن توطين إنتاج الأدوية، بما في ذلك اللقاحات، يكتسب زخمًا. في عام 2023، وقعت ليفيرا مذكرة تفاهم مع سانوفي، الشركة العالمية الرائدة في ابتكار اللقاحات التي تحمي 500 مليون شخص سنويًا، والتي تهدف سانوفي وليفيرا من خلالها إلى إنتاج اللقاحات محليًا، مع خطط لتلبية أكثر من نصف احتياجات المملكة العربية السعودية كجزء من جدول التحصين الوطني. ومن المتوقع المزيد من هذه الشراكات قريبًا، مما يزيد من الثقة في قطاع الأدوية الحيوية في المملكة العربية السعودية.
كما تعمل شركة ليفيرا على تعزيز الطب الدقيق من خلال شركتها التابعة ليفيرا أوميكس. وتهدف ليفيرا أوميكس، التي تم إطلاقها في يناير/كانون الثاني، إلى إنشاء قدرات عالمية المستوى في مجال الاختبارات الجينية واكتشاف الأدوية في المملكة العربية السعودية. ومع تعيين عالم الوراثة البشرية السعودي الشهير عالميًا البروفيسور فوزان الكريع كرئيس للقسم الطبي والجينومي، تسعى ليفيرا أوميكس إلى تلبية الاحتياجات الفريدة للمرضى السعوديين من خلال الاستفادة من بنك البيانات الجينية الغني، والذي ربما يكون أحد أكبر البنوك في القطاعين العام والخاص، والذي يركز على الأمراض النادرة والتوسع في السرطانات والاضطرابات الأيضية. في عام 2020، أصبح الكريع أول شخص غير أمريكي يحصل على جائزة كيرت ستيرن المرموقة من الجمعية الأمريكية لعلم الوراثة البشرية، وقد خدم في هيئة التدريس المساعدة في كلية الطب بجامعة هارفارد. وقد أدت اكتشافاته إلى تقدم كبير في فهم العلاقة المعقدة بين الجينات البشرية والصحة.
ان القدرة على رسم خريطة لمخاطر الأمراض من خلال البيانات الجينومية تشكل تقدماً بالغ الأهمية في الانتقال من الرعاية الصحية التفاعلية إلى الرعاية الصحية الوقائية، والتي ستكون بمثابة حجر الزاوية لنظام الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية في المستقبل. ومن خلال Lifera Omics، تهدف المملكة إلى أن تكون لاعباً رئيسياً في اكتشاف علاجات جديدة في السباق العالمي لإطلاق العنان للإمكانات الكاملة للطب الدقيق. لدعم هذا، نحن في مناقشات متقدمة مع مستشفى سعودي رائد للرعاية الصحية لتطوير تصنيع العلاج الخلوي والجينات، المخصص لاحتياجات المرضى في المملكة العربية السعودية والعمل كمركز إقليمي لهذه الطريقة العلاجية المتقدمة والدقيقة.
وتأتي هذه التطورات في لحظة محورية. إذ يتم إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية من خلال الوتيرة السريعة لاكتشاف الأدوية وظهور العلاجات المتقدمة. وقد أظهر الوباء مدى سرعة تطوير العلاجات الجديدة عندما يتم إعطاء الأولوية للتعاون الدولي. ومع تسارع اكتشاف الأدوية، فإن قطاع الأدوية الحيوية في المملكة العربية السعودية في وضع جيد للاستفادة من هذه التحولات. ولن تعمل زيادة الاستثمار على تعزيز النمو الاقتصادي فحسب، بل ستخلق أيضًا فرصًا قيمة للمواهب السعودية والمغتربين. ويلعب برنامج تحول قطاع الصحة السعودي، وهي مبادرة تقدمية تتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للتكنولوجيا الحيوية، دورًا محوريًا في هذا النمو وربما يكون أحد أكثر برامج الصحة الوطنية طموحًا على مستوى العالم.
إن نمو قطاع المستحضرات الصيدلانية الحيوية في المملكة العربية السعودية من شأنه أن يولد فرص عمل عالية القيمة، ويزيد من المحتوى المحلي في قطاع الرعاية الصحية، ويدعم طموح المملكة العربية السعودية لتصبح مركزًا عالميًا للتكنولوجيا الحيوية. ومع وجود سكان شباب يتمتعون بالذكاء الرقمي وبنية تحتية سريعة التقدم للرعاية الصحية، فإن المملكة في وضع جيد للاستفادة من إمكانات التكنولوجيا الحيوية والمستحضرات الصيدلانية الحيوية لتحسين الصحة العامة ودفع النمو الاقتصادي.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن تركيز المملكة على البحث والتطوير، بدعم من التصنيع السريري والتجاري، يعد بإنتاج مجموعة من العلاجات المبتكرة المصممة خصيصًا للتحديات الصحية الخاصة بالمملكة العربية السعودية والمنطقة الأوسع. وستعمل هذه التطورات على تحسين الوصول إلى العلاجات المتطورة للسكان السعوديين والمساهمة في الابتكار السريري العالمي. تبرز المملكة العربية السعودية كوجهة رئيسية لاكتشاف الأدوية الجديدة، وخاصة للأمراض ذات الانتشار الأعلى في المنطقة، مثل مرض فقر الدم المنجلي، وضمور العضلات الشوكي، واضطرابات الشبكية الوراثية.
إن قطاع الأدوية الحيوية في المملكة العربية السعودية على أعتاب حقبة تحولية من شأنها تحفيز المشهد الاقتصادي والرعاية الصحية في المملكة. وتفخر شركة ليفيرا بلعب دور محوري في هذا التحول، مما يساعد في وضع المملكة العربية السعودية كقائد عالمي في مجال الابتكار في مجال الأدوية الحيوية وتمكين المواطنين والمقيمين من التمتع بحياة أطول وأكثر صحة.