You are currently viewing تسخير الثروة المعدنية في  السعودية لتحقيق النمو الاقتصادي
تسخير الثروة المعدنية في السعودية لتحقيق النمو الاقتصادي

تسخير الثروة المعدنية في السعودية لتحقيق النمو الاقتصادي

تشهد صناعة التعدين في المملكة العربية السعودية تحولاً كبيراً، بفضل الموارد المعدنية الغنية التي تمتلكها المملكة والاستثمارات الضخمة التي تهدف إلى ترسيخها باعتبارها الركيزة الصناعية الثالثة إلى جانب النفط والبتروكيماويات. 

وفي إطار برنامج التنمية الصناعية الوطنية والخدمات اللوجستية ورؤية المملكة 2030، ينصب التركيز على الاستفادة من الموارد والعمالة المحلية، والاستفادة من الأدوات المالية مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، واحتضان الابتكارات من الثورة الصناعية الرابعة.

وتهدف هذه الاستراتيجية الطموحة ليس فقط إلى تعزيز مساهمة القطاع في الاقتصاد الوطني، بل وأيضاً إلى وضع المملكة العربية السعودية كمركز صناعي ولوجستي عالمي. 

ولكن نجاحها سوف يعتمد على معالجة تحديات البنية الأساسية والتنظيمية التي قد تؤثر على الجدول الزمني للتنمية والفعالية الإجمالية للقطاع. ومن خلال معالجة هذه العقبات، تستطيع المملكة تحقيق رؤيتها المتمثلة في اقتصاد متنوع يعتمد في جوهره على صناعة التعدين القوية.

تسخير الثروة المعدنية

تتمتع المملكة العربية السعودية بثروة معدنية كبيرة، حيث تقدر قيمتها بنحو 9.4 تريليون ريال سعودي (2.5 تريليون دولار) اعتبارًا من أبريل 2024. وتشمل هذه الثروة رواسب غير مستغلة من المعادن الرئيسية التي تحظى بطلب كبير على مستوى العالم. والجدير بالذكر أن البوكسيت ضروري لإنتاج الألومنيوم، في حين أن الفوسفات والذهب والزنك والنحاس والعناصر الأرضية النادرة ضرورية لتصنيع المنتجات عالية التقنية مثل الهواتف الذكية وبطاريات السيارات الكهربائية وطواحين الهواء، فضلاً عن تطبيقات الدفاع المختلفة.

لقد قطعت المملكة بالفعل خطوات واسعة في تطوير التعدين. ومن المتوقع أن تزيد مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 70-80 مليار دولار بحلول عام 2030 من 17 مليار دولار حاليًا، مما يخلق أكثر من 200 ألف فرصة عمل. ومن خلال شركة التعدين المملوكة للدولة، معادن، استثمرت المملكة بشكل كبير في أنشطة الاستكشاف والاستغلال. 

وتشمل المشاريع الرئيسية منجم الذهب الدويحي، ومنجم فوسفات وعد الشمال، ومشاريع مختلفة للنحاس والزنك. وفي ديسمبر 2023، أعلنت معادن عن احتياطيات كبيرة من الذهب على امتداد 100 كيلومتر جنوب منجم الذهب المنصورة والمسرة الحالي في محافظة الخرمة بمنطقة مكة المكرمة، وتخطط لتكثيف أنشطة الحفر حول منصورة والمسرة هذا العام. وقدر حجم احتياطيات الذهب في منصورة والمسرة بنحو 7 ملايين أوقية في نهاية عام 2023. ويمثل هذا أول اكتشاف كجزء من برنامج الاستكشاف المكثف لشركة معادن الذي أطلقته في عام 2022، والذي يهدف إلى بناء خط إنتاج معدني.

من المنبع إلى المصب

إن دمج أنشطة التعدين مع عمليات المعالجة النهائية لتعزيز سلسلة قيمة تحويل المعادن إلى معادن هو هدف استراتيجي أساسي للمملكة لتعزيز التنوع الصناعي والنمو المستدام. ومن خلال ربط التعدين بالتصنيع المتقدم، تسعى المملكة إلى وضع نفسها كلاعب رئيسي في سلسلة التوريد العالمية للمعادن الحيوية، وخاصة تلك اللازمة للتحول في مجال الطاقة.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك استفادة المملكة من احتياطياتها الكبيرة من البوكسيت لإنتاج الألمنيوم، الذي يستخدم في تصنيع مكونات الألواح الشمسية. ويستفيد منجم البعيثة التابع لشركة معادن من إمكانية الوصول إلى الكهرباء منخفضة التكلفة ومنخفضة الكربون، وهذا بدوره مكن المنجم من إنشاء مصهر الألمنيوم الأقل تكلفة في العالم. ويستخدم هذا الألمنيوم في مشاريع الطاقة المتجددة.

وتستغل المملكة أيضًا رواسب الليثيوم لديها لتطوير بطاريات السيارات الكهربائية. واستثمرت المملكة العربية السعودية بشكل كبير في إنتاج السيارات الكهربائية، حيث أطلقت علامتها التجارية الخاصة، Ceer، واستثمرت في Lucid، وهي علامة تجارية أخرى للسيارات الكهربائية مملوكة لصندوق الاستثمار العام.

تعزيز التعاون

ولتوسيع احتياطياتها من المعادن الحيوية وتأمين سلاسل التوريد طويلة الأجل، تستثمر المملكة في أصول التعدين في الخارج من خلال شركة منارة للمعادن، وهي مشروع مشترك بين معادن وصندوق الاستثمارات العامة. وفي عام 2023، دخلت منارة في شراكة كبرى مع شركة التعدين العملاقة فالي إس إيه. 

وبموجب هذا التعاون، تستثمر شركة مانارا في برنامج رأس المال الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات لشركة فالي بيس ميتالز، والذي يهدف إلى زيادة إنتاج المعادن الأساسية للتحول في مجال الطاقة، مثل النحاس والنيكل. 

وبالتوازي مع ذلك، تعمل وزارة الصناعة والثروة المعدنية على تعزيز التعاون مع الحكومات لدعم استكشاف المعادن وتعزيز نقل المعرفة. ففي يناير 2024، وقعت الوزارة اتفاقيات مع مصر والمغرب والكونغو وروسيا. كما أعلنت عن حوافز بقيمة 685 مليون ريال سعودي لتقليل المخاطر لشركات الاستكشاف في المراحل المبكرة. 

جذب الاستثمار الأجنبي

تسعى المملكة العربية السعودية إلى ترسيخ نفسها كلاعب محوري في صناعة التعدين العالمية من خلال جذب الاستثمار الخاص، وحددت هدفًا لجذب 200 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر بحلول نهاية العقد. 

ولتحقيق أهدافها، قدمت الحكومة مجموعة من التدابير الرامية إلى تعزيز بيئة أكثر ملاءمة للمستثمرين. في عام 2021، قدمت المملكة العربية السعودية قانون الاستثمار التعديني لتبسيط عملية الحصول على تراخيص الاستكشاف. ومنذ تنفيذه، شهدت البلاد زيادة بنسبة 138 في المائة في إصدار تراخيص الاستغلال، مما يسلط الضوء على التأثير الكبير لهذه الإصلاحات على القطاع.

كما أدخلت أحكام حماية البيئة في الإطار التنظيمي بهدف تعزيز جاذبية القطاع للمستثمرين الدوليين، حيث أصبح التركيز بشكل أكبر على معايير ESG. 

وفي مطلع أبريل 2024، أعلنت الوزارة عن ست فرص استثمارية تعدينية جديدة للمستثمرين المحليين والدوليين ضمن مبادرة “الاستكشاف المتسارع”، حيث دعت الوزارة إلى تقديم عطاءات لرخص استكشاف جديدة لخامات الذهب والنحاس والزنك والرصاص والفضة في مختلف أنحاء المملكة، بمساحة إجمالية تزيد عن 940 كيلومترًا مربعًا.

ومع ذلك، فإن فعالية هذه التدابير في جذب قدر كبير من الاستثمار الأجنبي المباشر سوف تعتمد على قدرة المملكة على معالجة المخاوف بشأن الاستقرار التنظيمي والشفافية التشغيلية. 

إن إظهار الالتزام الثابت بالإصلاحات التنظيمية والشفافية التشغيلية أمر ضروري لإقناع المستثمرين ببيئة أعمال مستقرة وقابلة للتنبؤ. 

على سبيل المثال، يهدف إطلاق المملكة لقاعدة البيانات الجيولوجية الوطنية في عام 2021 من قبل هيئة المساحة الجيولوجية السعودية إلى رسم خرائط وتحليل الموارد المعدنية في البلاد بشكل شامل، وتوفير بيانات موثوقة للمستثمرين وتعزيز الشفافية في توافر الموارد وفرص الاستكشاف. وفي حين أن التدابير الأولية واعدة، فإن التحدي المستمر يكمن في استدامة وتعزيز هذه الجهود لضمان استمرار ثقة المستثمرين.

التنقل على الطريق إلى النجاح

وبالنظر إلى المستقبل، فإن قطاع التعدين في المملكة العربية السعودية في وضع يسمح له بتحقيق نمو كبير، مدفوعًا بالاكتشافات الجديدة والحوافز المالية وتوسيع المشاريع القائمة. ومن المتوقع أن يساهم منتدى المعادن المستقبلية الرابع القادم في يناير 2025 في تعزيز القطاع، والبناء على النتائج الرئيسية للمنتديات السابقة، مثل إنشاء مركز إقليمي للتميز لتسهيل الاستثمارات وتحسين سلاسل توريد المعادن. وستعمل مشاريع التعدين واسعة النطاق على تعزيز الإنتاج وتوفير الفرص الاقتصادية، بما في ذلك تطوير البنية التحتية في المناطق النائية.

ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من التحديات. فالتكاليف الأولية المرتفعة لإنشاء عمليات التعدين، وخاصة في المناطق النائية، والافتقار إلى الخبرة المحلية قد تستمر في ردع الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك، فإن فجوات البنية الأساسية، مثل المسافة بين المناجم والمراكز الصناعية أو الموانئ، تؤدي إلى تعقيد الخدمات اللوجستية وزيادة تكاليف النقل. وقد سلطت منتديات المعادن المستقبلية السابقة الضوء على هذه القضايا، مؤكدة على الحاجة إلى تحسين البنية الأساسية، من الطرق إلى الموانئ، لضمان الخدمات اللوجستية والعمليات الأكثر كفاءة.

وللتغلب على هذه التحديات، فإن توسيع الشراكات الدولية مع شركات التعدين ومقدمي التكنولوجيا سيكون مفيداً لأنها سوف تعزز المعرفة الفنية وتسهل تبادل أفضل الممارسات. إن تعزيز ممارسات التعدين المستدامة، مثل دمج مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، من شأنه أن يعالج المخاوف المتعلقة بالاستدامة، كما ثبت في جنوب أفريقيا، حيث نجحت شركات التعدين في دمج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح للحد من الانبعاثات على الرغم من التكاليف الأولية المرتفعة.

إن تركيز المملكة العربية السعودية على تيسير الاستثمار والاستدامة وتكامل التكنولوجيا يشكل مفتاحاً لإطلاق العنان لإمكاناتها. ومن خلال تحسين الخدمات اللوجستية وتحفيز استخدام الطاقة المتجددة، يمكن للمملكة جذب الاستثمارات المسؤولة وتعزيز الكفاءة التشغيلية. كما أن معالجة تكاليف بدء التشغيل المرتفعة والخبرة الفنية من خلال الشراكات من شأنها أن تقلل من الحواجز أمام الاستثمار، مما يضمن النمو على المدى الطويل وثقة المستثمرين في قطاع التعدين في المملكة.

اترك تعليقاً