أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) تقرير الاستقرار المالي لعام 2024، والذي سلط الضوء على قوة النظام المالي في ظل التحديات المصرفية العالمية في عام 2023.
وأكد التقرير الدور الحاسم الذي تلعبه الرقابة التنظيمية لمؤسسة النقد العربي السعودي في الحفاظ على الاستقرار، مع إظهار القطاعين المصرفي والمالي سيولة قوية ورأس مال وقدرة على الإقراض.
وقد عززت هذه العوامل الإصلاحات الاقتصادية في المملكة العربية السعودية وعالجت الطلب المتزايد على الائتمان. ويشير التقرير إلى تطوير البنية التحتية المتقدمة للدفع والنظام المالي باعتبارهما عنصرين رئيسيين في دعم مرونة القطاع.
في عام 2023، نما الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في المملكة العربية السعودية بنسبة 4.4% على أساس سنوي، حتى مع انكماش الأنشطة النفطية بنسبة 9%.
ويسلط هذا الاتجاه الضوء على التأثير المتزايد للقطاع غير النفطي، الذي يشكل الآن 49.9% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، مما يمثل إنجازًا مهمًا لرؤية السعودية 2030 في تنويع الاقتصاد.
في حين تراجع التضخم العالمي في عام 2023 بسبب تعافي سلاسل التوريد، واجه الاستقرار الاقتصادي تحديات من ارتفاع أسعار الفائدة بشكل مستمر، والتوترات الجيوسياسية، وزيادة الديون العالمية، وخاصة في القطاعات غير المالية.
وردًا على ذلك، رفعت مؤسسة النقد العربي السعودي أسعار الفائدة أربع مرات، لتصل إلى 5.5٪ -6٪ للحد من التضخم، مما دفع إلى تحول في سلوك المودعين نحو الودائع الزمنية والادخارية. وعكس إجراء البنك المركزي السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للحد من التضخم.
وسجل القطاع المصرفي زيادة ملحوظة في الربحية، مدفوعاً بالطلب القوي على الائتمان من القطاع الخاص وبيئة أسعار الفائدة المرتفعة، مع ارتفاع العائد على حقوق الملكية إلى 12.8% من 12.5% في عام 2022.
اتجاهات الإقراض للشركات
وبحلول نهاية عام 2023، برز الائتمان الممنوح للشركات باعتباره المحرك الرئيسي للقروض المصرفية، حيث ارتفع بنسبة 13.2% إلى 1.33 تريليون ريال سعودي.
وكان هذا النمو مدفوعًا بشكل أساسي بقطاع المرافق، الذي شهد زيادة بنسبة 27.8%، وأنشطة العقارات، التي نمت بنسبة 19.6%. وارتفع الائتمان الممنوح للأفراد بنسبة 6.7%، ويرجع ذلك أساسًا إلى الرهن العقاري، الذي شكل 48.8% من حصة الإقراض.
وارتفعت حصة القطاع العقاري في القروض المصرفية إلى 29.7% في عام 2023، مقارنة بـ 16.5% في عام 2018، وهو ما يعكس مبادرات الحكومة لتعزيز ملكية المساكن،
والتي وصلت إلى 63.7% بحلول نهاية عام 2023. وقد أدت التدابير الاحترازية الفعالة إلى تقليل المخاطر المرتبطة بالرهن العقاري بالتجزئة، مع إصدار معظم القروض مع حق الرجوع الكامل وعقود موحدة.
جودة الأصول وإدارة المخاطر
وأشار التقرير إلى انخفاض مطرد في نسبة القروض المتعثرة في القطاع المصرفي السعودي، حيث انخفضت إلى 1.5% في عام 2023 من 1.8% في عام 2022. ويعزى هذا الانخفاض إلى ارتفاع عمليات الشطب، مما يشير إلى أن البنوك تحافظ على جودة الأصول مع تحقيق ربحية قوية. وارتفعت نسبة تغطية مخصص القروض المتعثرة إلى 151%، مما يعكس موقفًا احترازيًا قويًا.
وقد لوحظ تحسن في جودة الأصول في جميع القطاعات، على الرغم من أن قطاعات البناء والتصنيع وتجارة الجملة والتجزئة سجلت أعلى نسب القروض المتعثرة. والجدير بالذكر أن قطاع البناء شهد انخفاض نسبة القروض المتعثرة من 7.6% في عام 2022، مما يدل على تعافي وضعه المالي.
وارتفعت نسب كفاية رأس المال المتوسطة والوسيطة في النظام المصرفي إلى 20.1% في عام 2023، ارتفاعاً من 19.9% في عام 2022، مما يشير إلى تعزيز القدرة على امتصاص الخسائر المحتملة. وشكل رأس المال من الفئة الأولى 92.2% من إجمالي رأس المال المصرفي، مدفوعاً بتحسن الربحية وإصدارات رأس المال.
نمو شركات التمويل
وارتفعت القروض المقدمة من شركات التمويل بنسبة 12.3% في عام 2023، لتصل إلى 84.7 مليار ريال، حيث يشكل الائتمان للأفراد 76.7% من محفظة القروض. ومع ذلك، شهدت هذه الشركات ارتفاعًا في الالتزامات إلى 40.3 مليار ريال، بزيادة 16.4% عن العام السابق.
تركزت القروض المتعثرة في شركات التمويل في القطاع الفردي، حيث شكلت 59.6% من إجمالي القروض المتعثرة. ومعدل التخلف عن السداد في شركات التمويل أعلى بشكل ملحوظ من البنوك التقليدية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تركيزها على قطاعات السوق ذات المخاطر الأعلى.
التطورات التنظيمية
نفذت مؤسسة النقد العربي السعودي تغييرات تنظيمية رئيسية في عام 2023، بما في ذلك خفض متطلبات الحد الأدنى لرأس المال لشركات التمويل التي تخدم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر. بالإضافة إلى ذلك، عكس إدخال معايير لحماية المستهلك وإنشاء لوائح لخدمات الشراء الآن والدفع لاحقًا التزام مؤسسة النقد العربي السعودي بتطوير قطاعي التمويل والتكنولوجيا المالية.
وبحلول نهاية عام 2023، ارتفع عدد شركات التمويل المرخصة إلى 58 شركة، بزيادة قدرها 34.9% عن عام 2022، بإجمالي رأس مال يصل إلى 15.5 مليار ريال. وقد ساهم دعم مؤسسة النقد العربي السعودي المستمر لصناعة التكنولوجيا المالية، من خلال مختبرها التنظيمي، في تسهيل الابتكار، حيث شاركت 33 شركة في مجال التكنولوجيا المالية بحلول نهاية العام.
باختصار، يؤكد تقرير الاستقرار المالي لعام 2024 الصادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي على مرونة القطاع المصرفي، وقادر على مواجهة التحديات العالمية والمساهمة في التحول الاقتصادي المستمر في المملكة العربية السعودية.